للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبادة تختلف في درجات التذلّل والخضوع, كاستلام ركن الكعبة بمحجنٍ، ولمسه باليد، وتقبيله، ووضع الجبهة عليه، وكالقيام في الصلاة والركوع والسجود، وهذه كلها عبادات، فهي بمقتضى العبارة الثالثة من غاية التذلّل وأقصى درجات الخضوع.

وإذًا فالغاية وأقصى الدرجات لها في نفسها درجات؛ فالأمور التي لم يُنَصَّ على أنها عبادات كيف نعلم أنها من الغاية، أو من أقصى الدرجات ما دامت درجات الغاية متصلة بدرجات ما قبل الغاية؟ ومَثَل ذلك مِرْقاة لها خمسون درجة مثلًا، فقال رجل لمملوكه: اصْعَدْ هذه المرقاة ولا تَبْلُغ أقصى الدرجات، وأراد بالأقصى عدّة درجات من أعلى، فمن أين يعلم المملوك عدّة الدرجات التي جعلها السّيّد غاية؟

وأوضح من ذلك أنَّ كثيرًا من الأفعال قد يكون تارة عبادة قطعًا، ثم يكون مثله ليس قطعًا بعبادة, كالسجود لله تعالى وسجود المشرك للصنم مع سجود الملائكة لآدم وآل يعقوب ليوسف عليهم السلام.

وأما العبارة الرابعة, ففهمها متوقف على فهم معنى كلمة (إله). وقد تقدَّم أن معنى (إله) معبود، وأن معرفة معنى (معبود) تتوقَّف على معرفة معنى العبادة، وهذا دور وتفسير مجهول بمجهول. سألنا ما معنى إله؟ قالوا: معبود، قلنا: نحن لا نعرف معنى (معبود) فما معناه؟ قالوا: (إله). وهذا كما تراه.

وإنما (١) التفسير الصحيح أن يُفَسَّر المجهول بمعلوم، فنستعين الله عزَّ وجلَّ في تحقيق ذلك ونقول:


(١) من هنا تكملة مأخوذة من المسوَّدة (س) من ص ٣٣/أ، وسأثبت ترقيم صفحاتها الخاصَّ بها مسبوقًا بحرف س.