للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وهذه) الآثار صريحة بأن الرَّجل لم يدَّع الإحياء والإماتة المختصَّين بالله عزَّ وجلَّ.

فإن قيل: سلَّمنا أنه إنما ادَّعى هذا النوع من الإحياء والإماتة, ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون النزاع إنما وقع في ذلك، بل الظاهر أنه أراد: كما أنَّ الله يحيي ويميت فأنا أحيي وأميت أيضًا في الجملة، ومقصوده بذلك ادِّعاء أنه مساوٍ لله تعالى في الجملة.

وثانيًا: الغالب أنَّ الله عزَّ وجلَّ إذا أظهر الخارق لقومٍ ولم يؤمنوا عقّبه بالعذاب، ولم يكن الخليل عليه السلام يريد تعجيل العذاب رجاء أن تفيد المطاولة إيمانَ القوم أو بعضِهم، أو يخرجَ من أصلابهم مَنْ يؤمن.

ثالثًا: يحتمل أن الخليل عليه السلام لم يكن حينئذٍ قد نُبِّئ، والله أعلم، وإنما محاجَّته مع قومه ومع هذا المحاجِّ بإيمانه الذي وصل إليه بتوفيق الله عزَّ وجلَّ له، [س ٩٦/ب] وهدايته إيَّاه من طريق عقله ونظره. وربما يشهد لهذا قول قومه لما كسر الأصنام: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، والفتى: الشابُّ، وقد اشتهر أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبيًّا إلا بعد الأربعين (١).

رابعًا: لو اختار الأمر الأول ربما يلجأ المحاجُّ إلى العناد فيقول: أنا الآن لا أريد قتل أحد ولا إطلاق أحد، ويكفيني أنِّي طول عمري فعلت ذلك مرارًا ولم يَعُقْني عائق، ولو قال هذا لم يتبين لقومه عناده، بخلاف قصَّة الشمس؛ فإن قومه يعرفون عجزه عن التصرُّف فيها. فلو قال: أنا لا أريد


(١) ورد في ذلك حديث: "ما من نبيٍّ نبِّئ إلا بعد الأربعين". قال ابن الجوزي: موضوع، نقله السخاوي في المقاصد الحسنة ٣٧٣، والسندروسي في الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي ٢/ ٦٦٨.