للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإتيان بها من المغرب لما أفاده ذلك عندهم، بل هو ــ والله أعلم ــ لا يدَّعي ذلك، وإنما ألزمه إيَّاه الخليل عليه السلام.

بقي علينا أن نبيِّن دلالة عجزه عن الإتيان بالشمس من مغربها على عجزه عن قتل إنسانٍ أو إطلاقه بدون قضاء الله تبارك وتعالى، فأستعين الله وأستهديه وأقول: إن العاقل إذا تفكَّر في خلق الله عزَّ وجلَّ الشمس جارية بمصالح عباده, وأنشأ بها التغيُّرات الجويَّة والأرضيَّة التي لها دخل عظيم في حياة الحيوان وطعامه وشرابه وتنفُّسه. وغير ذلك ممَّا لا يحصى، وبعض ذلك يعرفه الناس جميعًا، ومَن كان له إلمام بعلم الطبيعة كانت معرفته بذلك أوسع، وقد كان لقوم إبراهيم معرفة بأحوال الكواكب؛ لأنهم كانوا يعبدونها، وعبادتها تدعوهم إلى تعرُّف شؤونها، وكذلك كانوا يستدلُّون بأحوالها على الحوادث [كما مرَّ بيانه في] (١) قوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٨ - ٨٩].

أقول: إذا تفكَّر العاقل في ذلك علم شدَّة عناية الله عزَّ وجلَّ بالخلق، وإذ كانت عنايته عزَّ وجلَّ بخلقه بهذه الدرجة فكيف يَدَعُهم مع ذلك هملًا يعمل بهم بعضُهم ما يشاء في غير مصلحةٍ يعلمها الله عزَّ وجلَّ ويقدرها، وأَبْعَدُ من ذلك أن يدَعَ مَن يوحِّده فريسة لمن يشرك به بدون قضاء منه عزَّ وجلَّ وحكمة يعلمها. فالإنسان الذي يزعم أنه يفعل في الخلق ما يشاء بدون قَدَر


(١) ما بين المعقوفين غير واضح في الأصل، والمثبت اجتهادٌ مني. وفي ص ٧٤٠: "على الحوادث الأرضية, كما يدل عليه قوله عز وجل في إبراهيم: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} أي: أوهمهم أنه استدل بأحوال النجوم على أنه سيسقم, وإنما يعني عليه السلام بهذا الخبر أن كل إنسان معرَّض للسقم, والله أعلم".