للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أردفها الله تعالى بتمام الاستدلال على أنَّ الشفاعة عنده لا تكون إلا بإذنه فقال: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} الضمير للملائكة كما سمعتَ عن ابن عباس. وكذا قال مقاتل فَسَّر {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} بما بعد خلق الملائكة، {وَمَا خَلْفَهُمْ} بما قبل ذلك. وقد علمتَ أنَّ الملائكة مذكورون قبل ذلك (١)، فلا [س ١٣١/أ] مانع من عود الضمير عليهم.

{وَلَا يُحِيطُونَ} أي الملائكة {بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} عزَّ وجلَّ {إِلَّا بِمَا شَاءَ}، فلا يعلمون بعبادة المشركين لهم ولا بحاجاتهم ومقاصدهم إلا أن يشاء الله تعالى أنْ يُعْلِمَهم، (ويؤيِّد كونَ المراد الملائكة .... ) (٢).

فإذن الأمر كله لله، والذي ينبغي للعاقل الاهتمام به رضا الله تعالى، وفيه إشارة إلى أنَّ اتخاذهم وسائط بين العباد وربِّهم جهل؛ لأنهم لا يطَّلعون على شيء من أحوالهم إلَّا إذا أطْلَعَهم الله عزَّ وجلَّ، فكيف يكون الله عزَّ وجلَّ هو الذي يعلم بأحوالنا دون الملائكة، فيذهب العباد إلى أن يطلبوا منه تعالى أن يُطْلِع الملائكة أنهم يطلبون منهم أنْ يشفعوا لهم عند ربهم عزَّ وجلَّ؟ فليُرْضُوه تعالى من أوَّل الأمر ويطلبوا منه حاجاتهم.

{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} بيان لعِظَمِ ملكه وكمال قدرته، وشمولها كلَّ شيء وأنَّه مدبِّر كلِّ شيء، وحافظ، ولا يشقُّ عليه ذلك، فإذن هو الغنيُّ لا يحتاج إلى معونة أحد من الملائكة أو غيرهم.


(١) هنا كلمة لم تظهر, ولعلها: صريحًا.
(٢) هذا ملحق ذهب البللُ بأكثره.