للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و {ما} نافيةٌ، و {أنتُم} خطابٌ لهم ولمعبوديهم, والمعنى: إنَّكم ومعبوديكم ــ أيُّها المشركونَ ــ لستُم بفاتنينَ" (١).

وأما قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦)} فحكاية عن الملائكة جزمًا، ولكن أشكل ارتباطه بما تقدَّم؛ فإنَّ تقدير نحو: (والملائكة يقولون) غيرُ هيِّنٍ؛ لأنَّ مثل ذلك لم تجرِ العادة بحذفه، كذا يُقال.

[٣٤٥] فإن لم تسلم دعوى الحذف فقد ظهر لي وجهٌ للربط فيه بُعْدٌ، ولكني أعرضه عليك لتعرفه: قال تعالى في أول السورة: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣)} وهذه كلُّها صفات الملائكة، وقوله تعالى بعد ذلك: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) ... } تفصيلٌ لذلك الذِّكْر الذي يتلوه الملائكة، فكأنه قال: فالتاليات ذكرًا عظيمًا، هو: إنَّ إلهكم لواحد، فتكون (٢) جملة: {إِنَّ إِلَهَكُمْ} إلخ خبر مبتدأ محذوف أو تكون الجملة بدلًا أو عطفَ بيان من {ذِكْرًا} مع احتمالاتٍ أُخَر لا حاجة لذكرها. ويكون جواب القسم محذوفًا، ولا بِدْع في حذفه. فالملائكة يتلون هذا الذكر، أي: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) ... إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) ويختمون ذلك بقولهم إخبارا عن أنفسهم: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦)}. وقد يستأنس لهذا الاحتمال بقولهم: {الصَّافُّونَ} مع قوله تعالى في وصفهم أول السورة: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} والله أعلم.


(١) تفسير أبي السعود ٢/ ٤١٣. [المؤلف]
(٢) في الأصل بالياء, ولعله سبق قلم, وإن كان له وجه.