الأوَّل: أنه قال: {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} فدلَّ أن الاثنين الآخرين غيره، والنصارى لا يقولون ذلك في مسألة الأقانيم، بل يقولون: إن مجموع الثلاثة الأقانيم هو الله تعالى.
الأمر الثاني: أنه ذكر في الرد عليهم حقيقة المسيح وحقيقة أمه، وليس لأمه دخل في الأقانيم، وإنما الأقانيم عندهم عبارة عن الأب والابن وروح القدس، فالأب هو الذات، والابن هو الصفة التي فارقته، ودخلت في بطن مريم فكانت المسيح، وروح القدس صفة ثانية نزلت على المسيح في صورة حمامة.
فعُلم بهاتين الآيتين أن النصارى يؤلِّهون مريم ويعبدونها كما يؤلِّهون عيسى ويعبدونه، وقد عُلم أنهم لم يقولوا في مريم إنها واجبة الوجود ولا قديمة ولا أنها جزء من الله تعالى، ولا أنها تخلق وترزق وتنفع وتضرُّ وتغفر الذنوب، فثبت بذلك أنَّ التأليه والعبادة لا يتوقَّفان على اعتقاد شيء من هذه الصفات في المعبود, وأنَّ اعتقادهم هذه الصفات في عيسى أمر زائد على التأليه والعبادة. (١) فأما قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا