للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعلَّك قد سمعت بمَن يترك الصلاة المفروضة من المسلمين، ثم يبدو له أن يحافظ عليها، فيصلي عدَّة صلواتٍ، ثم يَدَعُها زعمًا أنه عَرَضَتْ له مصائب ومضارُّ، فلما ترك الصلاة زالت تلك المضارُّ، حتى إن من هؤلاء مَن يقول: الصلاة نحسٌ.

والسبب في هذا الأمر أن الله عزَّ وجلَّ غنيٌّ عن عباده، لا يقبل إلا طيِّبًا, وهؤلاء الجهَّال إنما يحملهم على الصلاة الرغبةُ في أن تحصل لهم منافع دنيويَّةٌ، فيُقدِمون عليه (١) على سبيل التجربة، بلا يقينٍ ولا إيمانٍ ولا إخلاصٍ، فيبتلي الله عزَّ وجلَّ إخلاصهم بما يصيبهم من الامتحان، فأمَّا مَن ثبت وكان عنده إيمانٌ وتصديقٌ؛ فإن تلك الأمور التي يراها مصائب تزول عنه، بل تنقلب منافع وفوائد، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [٤٠٣] مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: ٢١٤].

وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١] , وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧]، والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ.

وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ


(١) كذا في الأصل, ولعله يعيد الضمير إلى العمل والفعل.