يقدم على العمل السيِّئ فتناله منافع وفوائد دنيويَّةٌ، فإن تداركه الله عزَّ وجلَّ عَلِم أن ذلك ابتلاءٌ فكفَّ عنه، وزهد في تلك المنافع، وإلا فكما قال تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[آل عمران: ١٧٨].
[٤٠٥] ومن دقائق هذا الباب أن العبد إذا أراد الرجوع إلى طاعة الله تعالى أحبَّ الله تعالى أن يطهِّره مما سبق من ذنوبه، وأن يبتليه ليتبيَّن ثباته وصدقه، ويوافق ذلك طمع الشياطين في هذا الرجل أنهم إذا آذوه وأضرُّوا به ترك ذلك العمل الصالح، فعن هذا يناله ما يناله، فإذا وفَّقه الله تعالى وثبَّته كان ما أصابه من الشياطين تطهيرًا لما سبق من ذنوبه، وزيادةً له في رفع درجاته، وسرعان ما تزول تلك المضارُّ بزوال سببها، ويجبره الله تعالى ويرفعه، وإن جزع من تلك المضارِّ فترك ذلك العمل الصالح فقد ترتفع عنه المضارّ، وذلك شرٌّ له عاجلًا وآجلًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وربَّما تصيب تلك المضارُّ مَن لا ذنب له سابقًا ولا يُراد ابتلاؤه في نفسه، وإنما يُراد بذلك ابتلاء غيره، وهذا كما جرى للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحدٍ، إنما أُرِيد بذلك ابتلاء المسلمين ورفع درجات النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
[٤٠٦] ويُحكى أن رجالًا كانوا يضيِّعون الفرائض ويرتكبون المنكرات ويدَّعون مع ذلك أنهم من الصالحين، فيُنكِر عليهم رجالٌ من أهل العلم والدِّين، فتصيب هؤلاء المنكرين مصائب يعدُّها الناس كراماتٍ لمرتكبي المنكرات، وأنت إذا تدبَّرت ما سبق علمت الحقيقة، والله المستعان.