للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى عن قيل إبراهيم حين أفل القمر: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} الدليل على خطأ هذه الأقوال التي قالها هؤلاء القوم، وأن الصواب من القول في ذلك الإقرار بخبر الله تعالى الذي أخبر به عنه والإعراض عما عداه» (١).

أقول: ومما يشكل على القول الأوَّل أنَّ كلَّ عاقلٍ يعلم منذ حداثته بوجود الكواكب والشمس والقمر، وأنها تطلع وتأفل، فكيف يغفل إبراهيم عليه السلام عن كون الكوكب الذي رآه تلك الليلة سيأفل، أو أن القمر سيظهر بعده، وأنه أعظم منه، وأنه سيأفل، وأن الشمس ستطلع بعدهما، وهي أكبر منهما، وأنها ستأفل؟

وقد يُجاب بما رواه ابن جريرٍ وغيره عن ابن إسحاق أن أمَّ إبراهيم وضعته في مغارةٍ لا يرى فيها السماء ولم تخرجه حتى كبر، فأخرجته ليلًا فرأى الكوكب وجرى ما جرى (٢)، وعلى هذا فيقوى القول [٤٢٢] بأنه كان حينئذٍ في عهد الطفولة، فيهون الأمر في حمل الكلام على ظاهره، مع أنه عليه السلام كان حينئذٍ ساعيًا في طلب الحقِّ محبًّا لإدراك الحقيقة، ليس في قلبه غيرُ ذلك.

وعلى كلِّ حالٍ فالظاهر أنَّ نظره عليه السلام في الكواكب كان بعد إنكاره عبادة الأصنام ــ كما يدلُّ عليه الترتيب القرآنيُّ ــ، حيث ذكر إنكاره على أبيه عبادة الأصنام، ثم عقَّبه بقصَّة النظر في الكواكب، وكأن أباه كان


(١) ٧/ ١٥٠ - ١٥١. [المؤلف]
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتمٍ ٨/ ٢٧٧٧ - ٢٧٧٨، ح ١٥٦٩١. تفسير الطبريِّ ٩/ ٣٥٦ - ٣٥٩.