للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤٨٠ د] وكذا ينقض شهادته إن زعم ذلك بلسانه، ولو كان يعلم خلافه, كما مرَّ في فرعون وقومه (١). ومَن شَهِدَ بها ثم عبد غير الله عزَّ وجلَّ، فقد نقض شهادته بالنظر إلى الالتزام، وإن لم يكن له اعتقادٌ ولا ظنٌّ ولا احتمالٌ ولا زَعْمٌ أن ذلك الشيء يستحقُّ العبادة، وقد مرَّ الكلام على الالتزام أوائلَ الرسالة (٢)، فارجع إليه.

وأما مَن كان عنده سلطانٌ من الله عزَّ وجلَّ أن يخضع لشيءٍ من المخلوقات طلبًا للنفع الغيبِيِّ فخضع له طاعةً لله عزَّ وجلَّ، فهذا موافقٌ للشهادة لا مخالفٌ لها، لكن بشرط أن يكون خضوعُه لذلك المخلوق هو الخضوعَ الذي عنده به من الله تعالى سلطانٌ. فأمَّا إذا كان عنده سلطانٌ بضربٍ من الخضوع فارتكب أشدَّ منه بدون سلطانٍ طالبًا بذلك النفع الغيبيَّ، فقد نقض التزامَه؛ لأن الإذن بضربٍ من الخضوع لا يدلُّ على الإذن بكلِّ خضوعٍ. ولا شكَّ أن الله تبارك وتعالى أَمَرَ بإكرام الأناس الصالحين الذين عبدهم قوم نوحٍ وبإكرام المسيح وأمِّه وبإكرام الملائكة، ولكن لما تجاوز الناس الإكرام المأذون فيه إلى غيره على الوجه المتقدِّم كان ذلك شركًا بالله عزَّ وجلَّ.

فالحاصل: أن الخضوع لغير الله عزَّ وجلَّ طلبًا لنفع غيبيٍّ إن كان بسلطانٍ من الله عزَّ وجلَّ فتلك عبادةٌ لله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]. وإن كان بغير سلطانٍ من الله عزَّ وجلَّ فتلك عبادةٌ لغير الله عزَّ وجلَّ. هذا ما أدَّى إليه النظر.


(١) انظر ص ٧٠٠، ٧٠٥.
(٢) انظر ص ١٠ - ٢٢.