للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤٨٠ هـ] وممَّا يوافقه: قال أبو محمَّد بن حزمٍ: «وقال تعالى مثنيًا على قومٍ ومصدِّقًا لهم في قولهم: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} [الأعراف: ٨٩]، فقال النبيُّون عليهم الصلاة والسلام قولَ الحقِّ الذي يشهد الله عزَّ وجلَّ بتصديقه أنهم إنما خلصوا من الكفر بأنَّ الله تعالى نجَّاهم منه، ولم يُنْجِ الكافرين منه، وأن الله تعالى إن شاء أن يعودوا في الكفر عادوا فيه، فصحَّ يقينًا أنه تعالى شاء ذلك ممن عاد في الكفر. وقد قالت المعتزلة في هذه الآية: «معنى هذا: إلَّا أن يأمرنا الله بتعظيم الأصنام، كما أَمَرَنا بتعظيم الحجر الأسود والكعبة». قال أبو محمَّدٍ: وهذا في غاية الفساد؛ لأن الله تعالى لو أمرنا بها لم يكن عودًا في ملَّة الكفر، بل كان يكون ثباتًا على الإيمان وتزايُدًا فيه» (١).

وفي تفسير روح المعاني في الكلام على هذه الآية: وقال الجُبَّائِيُّ والقاضي: «المراد بالملَّة: الشريعة، وفيها ما لا يرجع إلى الاعتقاد، ويجوز أن يتعبد الله عباده به» (٢).

أقول: كأنهما أرادا أنَّ ما يرجع إلى الاعتقاد لا يتغيَّر حاله، فلا يجوز أن يأمر الله تعالى الناس أن يعتقدوا أن معه ربًّا آخر قديمًا مثلًا؛ لأن ذلك باطلٌ في نفسه، بخلاف تعظيم الأصنام مثلًا، فإنه إنما قَبُحَ لأنه شركٌ، فإن أمر الله تعالى به لم يبق شركًا.

فأما قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا


(١) الملل والنحل ٣/ ١٤٧. [المؤلف]
(٢) روح المعاني ٣/ ٨٢. [المؤلف]