للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤٨٦] إنما هو القيام للشخص؛ لأنه يضارع القيام لله عزَّ وجلَّ في الصلاة، ولذلك قال ابن أبي ذئبٍ لما أُمِرَ أن يقوم للخليفة: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال الخليفة: دعوه، فلقد قامت كلُّ شعرةٍ في جسدي (١).

ومما يوضِّح لك أن القيام للمشي إلى القادم ليس تعظيمًا له بنفس القيام، أنك قد تُهدِّد خادمك بقولك: لأقومنَّ إليك، أي: لكي أضربك مثلًا، فالقيام إلى الشخص قد يكون لإهانته، وقد يكون لإكرامه، فعُلِمَ من ذلك أن القيام في قولك: (قمت إلى فلانٍ) وسيلةٌ لغيره، وليس مقصودًا لذاته، بخلاف القيام للشخص؛ فإنه تعظيمٌ لا محالة.

وقد يتردَّد النظر فيمَن دخل عليك وأراد أن يصافحك، هل يجوز القيام حتى لا تكون مصافحتُه لك وهو قائمٌ وأنت قاعدٌ مذلَّةً له أو تعظيمًا لك؟

ومن عادات العرب في اليمن أنهم إذا كانوا جلوسًا فدخل إنسانٌ فصافحهم لم يقوموا، ولكن يقول الجالس عند المصافحة: (والقائم عزيزٌ).

ثم رأيت أبا داود رحمه الله قد أشار في السنن إلى الفرق الذي ذكرته، فإنه قال أوَّلًا: (بابٌ في القيام)، فأورد فيه حديث: «قوموا إلى سيِّدكم، أو: إلى خيركم»، وحديث عائشة: ما رأيت أحدًا كان أشبه سَمْتًا وهَدْيًا ودلًّا برسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من فاطمة كرَّم الله وجهها، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبَّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها (٢).


(١) انظر: تاريخ بغداد, ٢/ ٢٩٨.
(٢) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام، ٢/ ٣٥٣ - ٣٥٤، ح ٥٢١٧. [المؤلف]