للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشيءٍ يريدونه من نفعٍ أو دفع ضرٍّ».

وأخرج عن عليٍّ عليه السلام قال: كالرجل العطشان يمدُّ يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه. وعن مجاهدٍ: قوله {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده ولا يأتيه أبدًا. وعنه أيضا: {لِيَبْلُغَ فَاهُ} يدعوه ليأتيه وما هو بآتيه، كذلك يستجيب مَن هو دونه (١).

فَيُعْلَمُ من تدبُّر الآيات مع هذه الآثار أن المراد من الاستجابة في الآيات الاستجابة بالنوال، والاستجابة بالنوال إنما تقع في مقابل السؤال ــ كما قال الراغب ــ، فعُلِم بذلك أن الدعاء في الآيات بمعنى السؤال، أي سؤال النفع ــ كما هو ظاهرٌ ــ، وذلك المطلوب.

ومما يوضِّح ذلك: أنه ليس مدار استحقاق العبادة على الإجابة بالمقال حتى يحقَّ التشنيع على مَن عبد مَن لا يجيبه بالقول، وإنما مدار ذلك على التدبير المستقلِّ بالنفع والضرِّ [٤٩٦]ــ كما قدَّمناه في الكلام على قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] (٢) ــ، فتعيَّن أن يكون المراد بالاستجابة إجابة بالنفع والضرِّ.

فإن قيل: إذا امتنعت الإجابة بالمقال امتنعت الإجابة بالنوال فتكون الآيات من باب قوله تعالى في شأن العجل: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} [طه: ٨٩].


(١) تفسير ابن جريرٍ ١٣/ ٧٦.
(٢) ص ١٢٥ [المؤلف]. ص ٣٤٩.