للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: في هذه الملازمة نظرٌ، ومع ذلك فإنما تَقْرُبُ لو كان المراد بالمدعوِّين في الآيات الأصنامَ، وليس الأمر كذلك، بل المراد الملائكة, كما تقدَّم إيضاحه في فصل عبادة الملائكة (١).

فإن قيل: إن ذلك يمكن على هذا أيضًا، فيُقال: إن الملائكة لا يجيبون داعيهم بالمقال.

قلت: ولكن لا تقوم الحجَّة على المشركين؛ لأن لهم أن يقولوا: لعلَّهم يجيبوننا بالمقال ولا يُسمع كلامهم، كما أن الله تبارك وتعالى إذا أجاب بالمقال لا يُسْمَعُ جوابُهُ، ولا يقدح ذلك في استحقاقه العبادة، بخلاف ما إذا كان الدعاء بمعنى السؤال؛ فإنَّ المشركين يعترفون بأن آلهتهم [٤٩٧] لا تضرُّ ولا تنفع بفعلها، وإنما يرجون منها الشفاعة، ويمكن إقامة الحجَّة عليهم بشأن الشفاعة، فيقول لهم الرسول: ادعوا آلهتكم أن يشفعوا لكم في أن لا يُبْتَلى فلانٌ اليومَ بالعمى، وأنا أدعوا الله أن يُبْتَلَى فلانٌ اليومَ بالعمى؛ فإنَّ آلهتكم إن كانت عبادتهم حقًّا لا بدَّ أن يستجيبوا لكم بالشفاعة في هذا، ولا بدَّ أن يقبل الله تعالى شفاعتهم فيه؛ لأن هذا يومٌ لَهُ ما بَعْدَهُ.

هذا، مع أن المشركين كانوا يرتابون في كون آلهتهم تشفع لهم، ولهذا كانوا في الشدائد يخلصون الدعاء لله عزَّ وجلَّ, كما يأتي (٢).

ثم اعلم أن تجويز أن يكون المراد بالاستجابة في الآيات الاستجابة بالمقال يوجب أن يفسَّر الدعاء بمجرَّد النداء، وقد دلَّت الآيات وغيرها مما


(١) انظر ص ٤١٧ - ٤٢٩.
(٢) انظر ص ٧٦٧ - ٧٦٨.