للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يأتي أن هذا الدعاء عبادةٌ وشركٌ، فإذا كان مجرَّد النداء كذلك فسؤالُ النفع من بابِ أَوْلَى.

فإن قلت: المفسِّرون لم يقولوا: إن الدعاء في الآيات جميعها بمعنى النداء، بل قالوا في أكثرها: إنه بمعنى العبادة. ويمكن [٤٩٨] تقرير كلامهم بأن يُقال: شُبِّهَتْ عبادةُ الأوثان بدعاء الله تعالى الذي هو السؤال في أن المقصود منها طلب النفع، ثم استُعِير الدعاء للعبادة، والاستجابةُ ترشيحٌ. وقد قال الشيخ عزُّ الدين بن عبد السلام في كتاب الإشارة والإيجاز: «النوع الحادي والستُّون: التجوُّز بالدعاء عن العبادة؛ لمشابهة الداعي للعابد في التذلُّل والخضوع، وله أمثلةٌ، أحدها: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}، الثاني: قوله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ}: أي وغاب عنهم ما كانوا يعبدونه من قبل. الثالث: قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، معناه: وقال ربُّكم: اعبدوني أُثِبْكم» (١).

فالجواب: أن الأصل الحقيقة، ولا يجوز العدول عنها إلَّا لصارفٍ يصرف عنها، ولا صارف هنا، بل مقابلة الدعاء بالاستجابة مؤيِّدٌ لها، وإخراج الكلام عن ظاهره بغير صارفٍ تحريفٌ للكلم عن مواضعه، وقَرْمَطَةٌ (٢) لو فُتِح بابُها لعاد الدين لُعْبَة.


(١) الإشارة ص ٨٥ - ٨٦. [المؤلف]
(٢) القَرْمَطة: تحريف النصوص على نَحْوٍ يشبه فعل القرامطة، وهي الفرقة الباطنيَّة التي تدّعي أن للشريعة باطنًا يخالف ظاهرها، ففسَّروا الصلاة بأنها معرفة أسرارهم، والصيام بأنه كتمان أسرارهم، إلى آخر تحريفاتهم. انظر: الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة ص ٢٩١.