للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو تتبَّعتَ ما جاء في القرآن من ذكر دعاء غير الله تعالى لعلَّك تجده أكثر من ذكر عبادة غير الله تعالى، وهذا مما يُبعِد المجاز.

وما قاله الشيخ عزُّ الدين رحمه الله تردُّه القواعدُ والأصول والأحاديث الصحيحة. وإني لأتعجَّب منه رحمه الله في إدراجه الآية الثالثة مع أنه لا يشكُّ أحدٌ أنَّ دعاء الله تعالى عبادةٌ له.

فإن قلت: حقيقة الدعاء هو النداء، وأنت تزعم أن معناه في الآيات السؤال، فهو مجازٌ على قولك أيضًا لا حقيقةٌ.

فالجواب: أن استعمال الدعاء في السؤال من الله عزَّ وجلَّ حقيقةٌ إن لم تكن لغويَّةً فعرفيَّةٌ وشرعيَّةٌ.

وفي هذه الآيات [٤٩٩] وغيرها مما يأتي أن المشركين يدعون آلهتهم كما يدعون الله عزَّ وجلَّ، فثبت بذلك أن المراد بدعائهم آلهتهم هو السؤال منها؛ لتمثيله بدعاء الله تعالى، ودعاؤه هو السؤال منه. وعلى فرض أنَّه مجازٌ فمقابلته بالاستجابة قرينةٌ عليه.

ولو سلَّمنا أنَّ الدعاء في الآيات مجازٌ عن العبادة لكان أقرب أن تكون العلاقة هي الخصوص والعموم، وعليه فهو حجَّة لنا أيضًا؛ لأن الأخصَّ إنما يُطْلَقُ على الأعمِّ إذا كان الأخصُّ هو الأهمَّ أو من الأهمِّ, كما نصَّ عليه أهل المعاني (١)، وعليه فدعاء المشركين آلهتهم أعظمُ عبادتهم لها أو من أعظمها، فثبت بذلك كونه عبادةً وزيادةً.


(١) انظر: المطوَّل في شرح التلخيص ٣٥٦، وعروس الأفراح (ضمن شروح التلخيص) ٤/ ٣٧.