للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعندي أن مَن فسَّر الدعاء بالعبادة إنما حمله على ذلك توهُّمه أن المراد بالآلهة في الآيات الأصنام، ورأى أن المشركين لا يسألون منها شيئًا، فهذا الذي اضطرَّه إلى التأويل، والحقُّ أن المراد الملائكة, كما علمتَ مما تقدَّم (١). وعليه فلا حاجة للتأويل.

على أنه قد قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) [٥٠٠] إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: ٦٩ - ٧٤].

فقوله: {إِذْ تَدْعُونَ} ظاهرٌ في أنهم كانوا يدعون الأصنام؛ إذ لو كان الكلام على الفرض لقيل: (إن تدعوهم)، أو: (لو دعوتموهم)، أو نحو ذلك. وقوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} ظاهرٌ في أن المراد الدعاء بالكلام. وقوله {أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} ظاهرٌ في أنه ليس المراد بالدعاء مجرَّد النداء، بل المراد به التكلُّم بالسؤال طلبًا للنفع واستدفاعًا للضرِّ، وكأنَّ القوم كانوا يسألون من الأصنام على نيَّة السؤال من الروحانيِّين, كما تقدَّم بيانه (٢). يدلُّك على ذلك أنهم نفوا السماع والنفع والضرَّ عن الأصنام. وقد تقدَّم كلام ابن جريرٍ في تقرير ذلك (٣).


(١) انظر ص ٤١٦.
(٢) انظر ص ٦٢١.
(٣) ص ٣٥٤. [المؤلف] ص ٦٢٢.