للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قياسكم على ملوك الدنيا فغلط واضح؛ فإنَّ ملوك الدنيا مفتقرون إلى أن يكون لديهم من يبلغ حوائج الناس إليهم.

أوَّلًا: لجهل الملك، فلا يتيسَّر له العلم بحوائج الرعية كلهم.

ثانيًا: لعجزه فلا يستطيع الاستماع من كل أحد.

ثالثًا ورابعًا وخامسًا: لفقره وبخله ورئائه, فهو لا يقدر أو لا يريد قضاء الحوائج كلها, ولا يحب أن يعلم الناس أنه فقير أو بخيل فهو يرائي الناس بأن يوكِّل وسائط لسماع [٥٨٧] الحوائج حتى يقضيَ منها ما أراد، ويترك ما أراد، فيظن العامة أنَّه ليس به فقر ولا بخل ولكنَّ الوسائط لم يبلِّغوه.

سادسًا: لخيلائه لا يحب أن يصل إليه الضعفاء والمساكين.

سابعًا: لخوفه أن يكون في غمار الناس من يريد قتله.

ثامنًا: لحقده فلا يحب أن يتصل به من قد أساء إليه.

تاسعًا: لاحتياجه إلى أولئك المقرَّبين ليسعوا في معونته وتأييد ملكه، فهو يوهمهم أنه لم يكن يريد أن يقضيَ تلك الحوائج لولا شفاعتهم.

عاشرًا: لخشيته من رؤوس الناس أن يسعوا في زوال ملكه، فهو يداريهم بأن يمنحهم الرياسة والإمارة والوساطة بينه وبين الرعية.

وهناك أسباب أخرى من هذا القبيل، منها: خوف الملك من نفسه أن يغضب في غير موضع الغضب، أو يبخل في غير موضع البخل، أو يكافئ على الإحسان بأقلَّ مما ينبغي، أو يعاقب على الذنب بأشدَّ مما ينبغي، وأشباه ذلك، وكلها نقائص لا يخفى أنَّ الله عزَّ وجلَّ متعالٍ عنها وعن أشباهها.