للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقرَّبون إلى ملوك الدنيا يرون أنَّ لهم حقًّا أن يشفعوا إلى الملوك وأن تُقبل شفاعتهم؛ لأمور، منها: علمهم بما تقدَّم من النقائص في الملوك، ومنها: أنهم يرون لأنفسهم حقًّا على الملوك لتأييدهم لملكهم وسترهم عيوبهم وإظهارهم محاسنهم وقدرتهم على أن يضرُّوا الملوك إذا أرادوا وغير ذلك.

[٥٨٨] ولا يأتي هذا في الملائكة؛ لأنهم يعلمون أنَّ ربهم عزَّ وجلَّ مبرَّأ من كل نقص، غني عنهم وعن غيرهم، قادر على كل شيء، لا يستطيع أحد أن يضره. هذا مع كمال الملائكة في أنفسهم، وخضوعهم الكامل لربهم سبحانه، وحرصهم على مرضاته.

ورعيَّةُ ملوك الدنيا بِغاية الحاجة إلى أن يكون لهم شفعاء إلى ملوكهم؛ لعلمهم بنقائص الملوك التي تقدَّمت. ومن عرف الله تعالى علم أنه عالم الغيب والشهادة فلا يخفى عليه شيء من مصالح عباده، وإذا أراد أمرًا فقد علم أنه كائن، وما علم أنه كائن فهو كائن لا محالة، ولو شفع إليه الخلق كلهم أن يرجع عما أراده لما أمكن ذلك، وأنه سبحانه أحكم الحاكمين أرحم الراحمين، فالحاجة التي يريدها العبد إن كانت مما قد سبق العلم [بها] (١) واقتضتها الحكمة والرحمة فهي كائنة ولا بدَّ، ويكفي في طلبها طاعة الله عزَّ وجلَّ ودعاؤه والخضوع له، كما يقتضيه مقام العبوديَّة، وإلَّا فلو شفع إليه خلقه كلهم فيها لما حصلت، فأي فائدة للشفاعة مع هذا؟ وما أحمق مَنْ يتوهَّمُ أن يكون أحدٌ أرحمَ به من ربه تعالى!


(١) سقطت هذه الكلمة من الأصل.