للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولكم: «من الحوائج ما لا يحسُن عرضُها على الملِك بدون واسطة» لا معنى له بالنسبة إلى الله تعالى؛ لأنه هو العليم الخبير الرؤوف الرحيم، فليس من حاجةٍ لا يحسُن عرضها عليه, بل إنَّ [٥٨٩] من الحوائج ما يحرم على الإنسان أن يذكرها لمخلوق ويجب عليه أن يدعو الله عزَّ وجلَّ لها، وذلك كالفواحش إذا وقعت منه لم يكن له إظهارها لأحد من الناس، ويجب أن يدعو ربه ويقول مثلًا: يا رب إني ظلمت نفسي بإصابة الفاحشة فاغفر لي. وكذلك من الأشياء ما يُتَحَاشَى من ذكرها للناس كالأمراض السِّرِّيَّة ولا حرج في أن يذكرها في دعاء الله عزَّ وجلَّ.

فإن كان قصدكم أنَّ من حوائج الناس ما يكون في معصية الله عزَّ وجلَّ فالملائكة أبعد من أن يشفعوا في معصيته، ولو شفعوا لحصول معصيته لكانوا عصاة، فإن وقع منهم ما يوهم الرضا بمعصيته فذلك غضب على ذلك العاصي ورغبة في بقائه على المعصية ليَتِمَّ له استحقاق العذاب، كما رُوي في دَسِّ جبريل عليه السلام الحمأة في في فرعون (١) إن صح، وقد تقدَّم الكلام عليه (٢).

ومما يشبه ذلك دعاء موسى وهارون على فرعون وقومه, قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا


(١) أخرجه الترمذيّ في كتاب التفسير، بابٌ ومن سورة يونس، ٥/ ٢٨٧ - ٢٨٨، ح ٣١٠٨، وقال: «حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه». والنسائيّ في الكبرى، كتاب التفسير، سورة يونس، قوله تعالى: «حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت»، ١٠/ ١٢٥، ح ١١١٧٤. وصحّحه الشيخ الألبانيّ في صحيح سنن الترمذيّ.
(٢) انظرص ٣٨١.