وقولكم: إنَّ من أصحاب الحوائج مَن لا يليق لمخاطبة الملك لدناءة أو إساءة، لا يصحُّ في حق الله عزَّ وجلَّ، فإنه سبحانه البرُّ الرَّحيم [٥٩٠] لا يأنف من سماع دعاء أحد من خلقه، كيف وهو ربهم وبارئهم؟ ومَن أساء منهم لا يخلو أن يكون جاء تائبًا أو غير تائب، فإن كان تائبًا فالتوبة تمحو الإساءة السابقة وتوجب محبَّة الله تعالى للتائب، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: ٢٢٢]، فقال:{يُحِبُّ} ولم يقتصر على المغفرة، وقدَّم {التَّوَّابِينَ} على {الْمُتَطَهِّرِينَ}، والتوَّابين صيغة مبالغة أي الذين تكثر توبتهم، وذلك يُشْعِر بكثرة خطاياهم.
وفي صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»(١).
وفي صحيح مسلمٍ أيضًا عن أنسٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَلَّه أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظِلِّها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةً عنده، فأخذ بخِطامها ثم قال من شدَّة الفرح: اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدَّة الفرح».
(١) صحيح مسلمٍ، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار، ٨/ ٩٤، ح ٢٧٤٩. [المؤلف]