للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونسب إليه ذلك الحديث. فأما إن قال: هذا الحديث صحيح، أو: ثبت عنه أنه قال ذلك، عالمًا بأنه كذب، فهذا قد كذب عليه. أما إذا افتراه ورواه رواية ساذجة ففيه نظر. اهـ (١).

أقول: وكلامه فيمن كذب على النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بقوله، فأمّا مَنْ كذب على الله عزَّ وجلَّ بقوله وفعله واعتقاده بأن زعم في عمل أنه من الدين الذي يحبه الله ويرضاه، وليس له على ذلك سلطان, فلا أرى موضعًا للشك في كفره إلا أن يكون له عذر، والآيات المتقدمة صريحة في ذلك.

وقال الشاطبي أيضًا: «وقال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: ١٠٣]، فهم شرعوا شرعة وابتدعوا في ملة إبراهيم عليه السلام هذه البدعة توهُّمًا أن ذلك يقربهم من الله تعالى كما يقرب من الله ما جاء به إبراهيم عليه السلام من الحق, فزلّوا وافتروا على الله الكذب إذ زعموا أن هذا من ذلك، وتاهوا في المشروع، فلذلك قال تعالى على إثر الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥].

وقال سبحانه: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ} [الأنعام: ١٤٠]، فهذه فذلكة لجملة بعد تفصيل تقدَّم وهو قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} الآية [الأنعام: ١٣٦]. فهذا تشريع كالمذكور قبل هذا ثم قال:


(١) الصارم المسلول ص ١٦٥ - ١٧٠. [المؤلف]