للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لو كان كذلك لأمر به صلَّى الله عليه وآله وسلَّم؛ لقوله: «ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا نهيتكم عنه» (١). فإذا لم يأمر به فالأمر به غير جائز منه. فمن روى عنه أنه أمر به فقد نسبه إلى الأمر بما لا يجوز له الأمر به، وذلك نسبة له إلى السفه. وكذلك إن نقل عنه خبرًا, فلو كان ذلك الخبر مما ينبغي له أن يخبر به، وكذلك الفعل الذي ينقله عنه كاذبًا فيه لو كان مما ينبغي فعله ويترجح لَفَعَله، فإذا لم يفعله فتركه أولى.

فحاصله أن الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أكمل البشر في جميع أحواله، فما تركه من القول والفعل فتركه أكمل من فعله، وما فعله ففِعْله أكمل من تركه، فإذا كذب الرجل عليه متعمدًا أو أخبر عنه بما لم يكن فذلك الذي أخبر عنه نقص بالنسبة إليه؛ إذ لو كان كمالًا لوُجد منه، ومن انتقص الرسول فقد كفر.

واعلم أن هذا القول في غاية القوة كما تراه، لكن يتوجه أن يفرق بين الذي يكذب عليه مشافهة [٦٢٠] وبين الذي يكذب عليه بواسطة، مثل أن يقول: حدثني فلان بن فلان عنه بكذا، فهذا إنما كذب على ذلك الرجل


(١) الحديث بنحو هذا اللفظ ذكره صاحب المشكاة في باب التوكل والصبر من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا، ونسبه إلى البيهقي في شعب الإيمان، والبغوي في شرح السنة، وفي المستدرك نحوه، أخرجه شاهدًا ٢/ ٤، وفي سند المستدرك انقطاعٌ.
وأخرج [الشافعي] نحوه من طريق المطلب بن حنطبٍ أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: .... الأم ٧/ ٢٧١، وهو مرسلٌ. وذكره ابن عبد البر في كتاب العلم، وقال: رواه المطلب بن حنطب وغيره عنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. مختصر جامع بيان العلم ص ٢٢٢ اهـ. [المؤلف]