للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنا أقول: وتُشدُّ الرحال إلى هذا البيت أيضًا». وقد سئلْتُ عن ذلك، والذي يتجه ويتحرّر فيه أنه بالنسبة لقواعد الحنفيّة والمالكية وتشديداتهم يكفر بذلك عندهم مطلقًا. وأما بالنسبة لقواعدنا وما عُرف من كلام أئمتنا السابق واللاحق فظاهر هذا اللفظ أنه استدراك على حصره صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأنه ساخرٌ به، وأنه شرع شرعًا آخر غير ما شرعه نبيّنا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وأنه ألحق هذا البيت بتلك المساجد الثلاثة في الاختصاص عن بقية المساجد بهذه المزيّة العظيمة التي هي التقرّب إلى الله بشدّ الرحال إليها. وكلّ واحد من هذه المقاصد الأربعة التي دلّ عليها هذا اللفظ القبيح الشنيع كفر بلا مرية، فمتى قصد أحدها فلا نزاع في كفره، وإن أطلق فالذي يتجه الكفرُ أيضًا لما علمت أن اللفظ ظاهرٌ في الكفر، وعند ظهور اللفظ فيه لا يحتاج إلى نية ... وإن تأوَّل بأنه لم يُرِدْ إلا أن هذا البيت لكونه أعجوبة يكون ذلك سببًا لمجيء الناس إلى رؤيته .... قُبِل منه ذلك، ومع ذلك فيعزر التعزير البليغ بالضرب والحبس وغيرهما بحسب ما يراه الحاكم، بل لو رأى إفضاء التعزير إلى القتل ــ كما سيأتي عن أبي يوسف ــ لأراح الناس من شرِّه ومجازفته؛ فإنه بلغ فيهما الغاية القصوى، تاب الله علينا وعليه، آمين» (١).

واعلم أن ما قدَّمته من أن صاحب البدعة قد يكون مأجورًا عليها خاص بما إذا كان عالمًا قامت عنده شبهة قوية حملته على ظن أن تلك البدعة سنة، وقد بذل وسعه في البحث والنظر فلم يجد ما يدفع ذلك عنه، وإذا كانت تلك المسألة مما أمر الشرع بإخفائه حذر الفتنة اشترط أيضًا ألَّا يكون ذلك


(١) الإعلام ص ٣٦. [المؤلف]