للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن مسعود في قوله (على حبه): هو أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء، وتخشى الفقر (١).

- وقال تعالى: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: ٦ – ٩]

قال الشنقيطي رحمه الله: (اخْتُلِفَ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ فِي (عَلَى حُبِّهِ)، هَلْ هُوَ رَاجِعٌ عَلَى الطَّعَامِ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ أَيْ: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّ الطَّعَامِ لِقِلَّتِهِ عِنْدَهُمْ وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، أَمْ عَلَى حُبِّ اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ؟

وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ كَثِيرٍ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَسَاقَ الشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)، وَقَوْلِهِ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).

وَالْوَاقِعُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ الْأَوَّلَ فِيهِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَكِنْ أَقْرَبُ دَلِيلًا وَأَصْرَحُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (٢).

- وقال الله تبارك وتعالى: وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا [الإنسان: ٦ – ٩]

قال الفخر الرازي: (والمعنى وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري بستاناً فيه مأكل هنيء وحريراً فيه ملبس بهي) (٣).

الترغيب والحث على الإيثار من السنة النبوية:

- عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ الأشعريّين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم)) (٤).

يقول الإمام العيني: (فيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه .... وفيه فضيلة الإيثار والمواساة) (٥)

وقال أبو العباس القرطبي: (هذا الحديث يدل على أن الغالب على الأشعريين الإيثار، والمواساة عند الحاجة، كما دلَّ الحديث المتقدِّم على أن الغالب عليهم القراءة والعبادة، فثبت لهم بشهادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنَّهم علماء عاملون، كرماء مؤثرون) (٦).

- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((طعام الاثنين كافي الثّلاثة، وطعام الثّلاثة كافي الأربع)) (٧). وفي لفظ لمسلم: ((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثّمانية)) (٨).


(١) ذكره السمعاني في ((تفسيره)) (١/ ١٧٢).
(٢) ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (٨/ ٣٩٤).
(٣) ((مفاتيح الغيب)) للفخر الرازي (٣٠/ ٢١٨).
(٤) رواه البخاري (٢٤٨٦)، ومسلم (٢٥٠٠) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٥) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (١٣/ ٤٤).
(٦) ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) لأبي العباس القرطبي (٦/ ٤٥٢).
(٧) رواه البخاري (٥٣٩٢)، ومسلم (٢٠٥٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) رواه مسلم (٢٠٥٩) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>