للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[علاج الجبن]

الجبن له أسباب تجعل الشخص جبانا، ويلزم في علاجه إزالة علته، وعلتُه:

(إما جهل فيزول بالتجربة، وإما ضعف فيزول بارتكاب الفعل المخوف مرة بعد أخرى، حتى يصير ذلك له عادة وطبعاً، ... فالمبتدئ في المناظرة، والإمامة، والخطابة، والوعظ، ... قد تجبن نفسه، ويخور طبعه، ويتلجلج لسانه، وما ذاك إلا لضعف قلبه، ومواجهة ما لم يتعوده، فإذا تكرر ذلك منه مرات، فارقه الضعف، وصار الإقدام على ذلك الفعل ضرورياً غير قابل للزوال، ... واعلم أن قوة النفس والعزم الجازم بالظفر سبب للظفر كما قال علي رضي الله عنه لما قيل له: كيف كنت تصرع الأبطال؟ قال: كنت ألقي الرجل فأقدر أني أقتله، ويقدر هو أيضاً أني أقتله فأكون أنا ونفسه عوناً عليه. ومن وصايا بعضهم: أشعروا قلوبكم في الحرب الجرأة، فإنها سبب الظفر. ومن كلام القدماء: من تهيب عدوه فقد جهز إلى نفسه جيشاً) (١).

وقال ابن مسكويه في وسائل علاج الجبن: (وذلك بأن توقظ النفس التي تمرض هذا المرض –مرض الجبن - بالهز والتحريك. فإن الإنسان لا يخلو من القوة الغضبية رأسا حتى تجلب إليه من مكان آخر ولكنها تكون ناقصة عن الواجب فهي بمنزلة النار الخامدة التي فيها بقية لقبول الترويح والنفخ، فهي تتحرك لا محالة إذا حركت بما يلائمها وتبعث ما في طبيعتها من التوقد والتلهب.

وقد حكي عن بعض المتفلسفين أنه كان يتعمد مواطن الخوف فيقف فيها ويحمل نفسه على المخاطرات العظيمة بالتعرض لها ويركب البحر عند اضطرابه وهيجانه ليعود نفسه الثبات في المخاوف ويحرك منها القوة التي تسكن عند الحاجة إلى حركتها ويخرجها عن رذيلة الكسل ولواحقه ولا يكره لمثل صاحب هذا المرض بعض المراء والتعرض للملاحاة وخصومة من يأمن غائلته حتى يقرب من الفضيلة التي هي وسط بين الرذيلتين أعني الشجاعة التي هي صحة النفس المطلوبة فإذا وجدها وأحس بها من نفسه كف ووقف ولم يتجاوزها حذرا من الوقوع في الجانب الآخر) (٢).


(١) ((مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق)) لابن النحاس. بتصرف (٢/ ٩٥٤).
(٢) ((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص١٧٠ - ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>