للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من رحمة الصحابة:]

وقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهجه واقتدوا به في التمسك بهذا الخلق الكريم, حتى صار الرجل المعروف بشدته وصرامته هيناً ليناً رحيماً رؤوفاً:

- فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف بشدته وقوته تغير الرحمة من طباعه فيصبح رقيقاً يمتلأ قلبه رحمة ويفيض فؤاده شفقة، ومما يدل على ذلك قوله لعبد الرحمن بن عوف حينما أتاه يكلمه في أن يلين لهم لأنه أخاف الناس حتى خاف الأبكار في خدورهن، فقال: (إني لا أجد لهم إلاَّ ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي من الرأفة والرحمة والشفقة لأخذوا ثوبي عن عاتقي) (١).

- و (رآه عيينة بن حصن يوماً يقبل أحد أبنائه وقد وضعه في حجره وهو يحنو عليه، فقال عيينة: أتقبل وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولداً. فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثاً، فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرحمة من قلبك؟ إن الله إنما يرحم من عباده الرحماء) (٢).

- (واشتهى الحوت يوماً، فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل راحلته، فسار ليلتين مدبراً، وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقاً تحت أذنها، فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوقه عمر، عليك بمكتلك) (٣).

(ومرّ رضي الله عنه براهب فوقف ونودي بالراهب فقيل له: هذا أمير المؤمنين، فاطَّلَع فإذا إنسان به من الضر والاجتهاد وترْكِ الدنيا، فلما رآه عمر بكى، فقيل له: إنه نصراني، فقال عمر: قد علمت ولكني رحمته، ذكرت قول الله عزّ وجلّ: عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية: ٣ - ٤] رحمتُ نصبَه واجتهاده وهو في النار) (٤).

- وتُحدثنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن امرأة من الصحابة تجلت فيها أروع صور الرحمة وأعظمها وهي الرحمة بالولد والشفقة عليه .. تقول عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها. فأطعمتها ثلاث تمرات. فأعطت كل واحدة منهما تمرة. ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها. فاستطعمتها ابنتاها. فشقت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها، بينهما. فأعجبني شأنها. فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة. أو أعتقها بها من النار)) (٥).

- وهذا أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه من رحمته أنه كان له جفنة من ثريد غدوة , وجفنة عشية للأرامل واليتامى والمساكين (٦).


(١) ((المجالسة وجواهر العلم)) (٤/ ٤٣) (١١٩٩).
(٢) ((جامع معمر بن راشد)) (١١/ ٢٩٩) (٢٠٥٩٠).
(٣) رواه أحمد (١/ ٣١٩) (٤٤٣)، وابن عساكر (٤٤/ ٣٠١).
(٤) رواه عبد الرزاق (٣/ ٤٢٠) (٣٥٨٤).
(٥) رواه مسلم (٢٦٣٠) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٦) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (٤/ ٢٩٩)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٦٢/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>