للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغيرة من صفات الله سبحانه وتعالى]

قال ابن القيم: (والغيرة من صفات الرب جل جلاله والأصل فيها قوله تعالى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف: ٣٣]) (١).

(وفي الصحيح عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أحد أغير من الله، ومن غيرته: حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وما أحد أحب إليه المدح من الله. ومن أجل ذلك أثنى على نفسه. وما أحد أحب إليه العذر من الله. من أجل ذلك: أرسل الرسل مبشرين ومنذرين)) (٢).

وفي الصحيح أيضا، من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال ((إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله: أن يأتي المؤمن ما حرم عليه)) (٣).

وفي الصحيح أيضا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((أتعجبون من غيرة سعد؟! لأنا أغير منه. والله أغير مني)) (٤).

ومما يدخل في الغيرة قوله تعالى: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا [الإسراء: ٤٥].

قال السري لأصحابه: أتدرون ما هذا الحجاب؟ حجاب الغيرة. ولا أحد أغير من الله. إن الله تعالى لم يجعل الكفار أهلا لفهم كلامه، ولا أهلا لمعرفته وتوحيده ومحبته. فجعل بينهم وبين رسوله وكلامه وتوحيده حجابا مستورا عن العيون، غيرة عليه أن يناله من ليس أهلا به) (٥).

قال ابن القيم: (إنَّ الغيرة تتضمن البغض والكراهة، فأخبر أنَّه لا أحد أغير منه، وأنَّ من غَيْرته حرَّم الفواحش، ولا أحد أحب إليه المدحة منه، والغيرةُ عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية، فيستحيل وصفه عندهم بذلك، ومعلومٌ أنَّ هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً، فإنَّ الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشةُ وتركها؛ مذمومٌ غايةَ الذمِّ مستحقٌ للذمِّ القبيح) (٦).


(١) ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص ٢٩٥).
(٢) روى أوله أبو يعلى في ((المسند)) (٩/ ٥٩) (٥١٢٣). والحديث بنحوه رواه مسلم (٢٧٦٠) عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، من أجل ذلك مدح نفسه. وليس أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش. وليس أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل)).
(٣) رواه البخاري (٥٢٢٣) ومسلم (٢٧٦١) واللفظ له.
(٤) رواه البخاري (٦٨٤٦) ومسلم (١٤٩٩)، واللفظ للبخاري.
(٥) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (٣/ ٤٤).
(٦) ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (٤/ ١٤٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>