للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور المدارة]

صفة المداراة ليست صفة دائمة إنما يحتاج إليها في التعامل مع بعض الأشخاص والمواقف والأوقات ومن ذلك.

١ - صيانة النفس من أهل الفجور والشرور:

فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه)) (١). وهذا فيما لابد من مخالطته.

٢ - في تعامل الإمام مع الرعية:

قالت أم المؤمنين عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال صلى الله عليه وسلم: ((ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه)) (٢).

فليس كل الرعية على نمط واحد، من حسن الخلق والمعشر، إنما الناس يختلفون فيحتاج الإمام للمداراة، وهذا يكون من الإمام جمعا للأمة ورأفة بها وإرشادا للضال وتعليما للجاهل لاسيما إن كان هؤلاء من أهل الرياسات والأتباع فيداري الإمام مراعاة لمصلحة الأمة كلها (٣).

٣ - الخوف من الكفار والعجز عن مقاومتهم:

قال تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: ٢٨].

قال الشنقيطي: (هذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقا وإيضاح ; لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة) (٤).

٤ - في دعوة الناس والسلطان (٥):

قال تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: ٤٣ - ٤٤].

فغالب حال هؤلاء الكبر والأنفة من قبول النصح المباشر أو الغلظة في الخطاب لما يرى لنفسه من عز وسلطان فالأولى في حقه المداراة واللين وهي الرفق به في الخطاب حتى يرجع إلى الحق أو يكفي شره دون تنازل عن ثوابت الدين فهناك فرق بين التدرج في الدعوة وبين التنازل عن ثوابت الدين (٦).

٥ - المداراة مع الوالدين:

قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت: ١٥].

٦ - المداراة مع الزوجة محافظة على الحياة الزوجية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج)) (٧).

٧ - المداراة مع النفس:

بحملها على الطاعة بذكر نعيم الجنة وكفها عن المعصية بذكر عذاب النار.

قال ابن الجوزي: (ومن فهم هذا الأصل، علل النفس، وتلطف بها، ووعدها الجميل، لتصبر على ما قد حملت، كما كان بعض السلف يقول لنفسه: والله، ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك ... واعلم أن مداراة النفس والتلطف بها لازم، وبذلك ينقطع الطريق) (٨).


(١) رواه البخاري (٦١٣١)، ومسلم (٢٥٩١) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) رواه البخاري (٦١٣١)، ومسلم (٢٥٩١) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) ((بدائع السلك في طبائع الملك)) لابن الأزرق (٢/ ١٦).
(٤) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (١/ ٤١٣).
(٥) ((بدائع السلك في طبائع الملك)) لابن الأزرق (١/ ٣٢٦).
(٦) ((الروح)) لابن القيم (ص: ٢٣١).
(٧) رواه البخاري (٥١٨٤)، ومسلم (١٤٦٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص: ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>