للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسائل متفرقة حول الغدر]

- الموصوف بالغدر:

قال أعرابي: إنّ الناس يأكلون أماناتهم لقماً وفلان يحسوها حسواً، ويقال: فلان أغدر من الذئب. قال الشاعر: هو الذئب أو للذّئب أوفى أمانة

وقيل: الذئب يأدو الغزال أي يختله.

واستبطأ عبيد الله بن يحيى أبا العيناء فقال: أنا والله ببابك أكثر من الغدر في آل خاقان.

وقال الخبزارزي:

ولم تتعاطى ما تعودت ضدّه ... إذا كنت خوّاناً فلم تدّعي الوفا

وقال الباذاني في أبي دلف وكان نقش خاتمه الوفاء:

الغدر أكثر فعله ... وكتاب خاتمه الوفا

وقيل كان بنو سعد يسمون الغدر كيسان ويستعملونه وفيهم يقول اليمين:

إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد (١)

- حكايات عن الغدر:

قيل: أغار خيثمة بن مالك الجعفي على حيّ من بني القين فاستاق منهم إبلا فلحقوه ليستنقذوها منه، فلم يطمعوا فيه، ثم ذكر يدا كانت لبعضهم عنده، فخلّى عما كان في يده، وولّى منصرفا، فنادوه وقالوا: إن المفازة أمامك، ولا ماء معك، وقد فعلت جميلا، فانزل ولك الذّمام والحباء فنزل فلما اطمأنّ وسكن، واستمكنوا منه غدروا به فقتلوه، ففي ذلك تقول عمرة ابنته:

غدرتم بمن لو كان ساعة غدركم ... بكفّيه مفتوق الغرارين قاضب

أذادكم عنه بضرب كأنّه ... سهام المنايا كلّهن صوائب (٢)

وتلاحى بنو مقرون بن عمرو بن محارب، وبنو جهم بن مرّة بن محارب، على ماء لهم فغلبتهم بنو مقرون فظهرت عليهم، وكان في بنى جهم شيخ له تجربة وسنّ، فلما رأى ظهورهم، قال: يا بنى مقرون، نحن بنو أب واحد، فلم نتفانى؟ هلمّوا إلى الصلح، ولكم عهد الله تعالى وميثاقه وذمّة آبائنا، أن لا نهيجكم أبدا ولا نزاحمكم في هذا الماء، فأجابتهم بنو مقرون إلى ذلك، فلما اطمأنوا ووضعوا السلاح عدا عليهم بنو جهم فنالوا منهم منالا عظيما، وقتلوا جماعة من أشرافهم، ففي ذلك يقول أبو ظفر الحارثىّ:

هلّا غدرتم بمقرون وأسرته ... والبيض مصلته والحرب تستعر

لما اطمأنوا وشاموا في سيوقهم ... ثرتم إليهم وعرّ الغدر مشتهر

غدرتموهم بأيمان مؤكدة ... والورد من بعده للغادر الصّدر (٣)

وغدرت ابنة الضّيزن بن معاوية بأبيها صاحب الحصن ودلّت سابور على طريق فتحه، ففتحه وقتل أباها وتزوّجها، ثم قتلها (٤).

وممن اشتهر بالغدر عمرو بن جرموز: غدر بالزّبير بن العوّام، وقتله بوادي السباع (٥).

- نار الغدر:

كانت العرب إذا غدر الرجل بجاره، أوقدوا له نارا بمنى، أيام الحج على الأخشب (وهو الجبل المطلّ على منى). ثم صاحوا: هذه غدرة فلان.

قالت امرأة من هاشم:

فإن نهلك فلم نعرف عقوقا ... ولم توقد لنا بالغدر نار (٦). ...


(١) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء)) للراغب (١/ ٣٥٥).
(٢) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (٣/ ٣٦٧).
(٣) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (٣/ ٣٦٨).
(٤) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (٣/ ٣٦٦).
(٥) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (٣/ ٣٦٦).
(٦) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (١/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>