للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من صبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

لقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبلغ صبره مبلغاً عظيماً و (لا يُعلم أحد مر به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر به صلى الله عليه وسلم وهو صابر محتسب وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ [النحل: ١٢٧].

صبر على اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو أحياناً، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب، وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء، وتحزب الخصوم، واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل الأعراب، وجفاء البادية ومكر اليهود، وعتو النصارى وخبث المنافقين وضراوة المحاربين، وصبر على تجهم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين ...

صبر عن الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء وصبر على إغراء الولاية، وبريق المنصب، وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلباً لمرضاة ربه.

فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكر واصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه: ١٣] وكلما بلغ به الحال أشده والأمر أضيقه تذكر: فَصَبْر جَمِيلٌ [يوسف: ١٨] وكلما راعه هول العدو وأقض مضجعه تخطيط الكفار تذكر فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: ٣٥].

فهو مضرب المثل في سعة الصدر، وجليل الصبر، وعظيم التجمل وثبات القلب، وهو إمام الصابرين، وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم) (١).

فصبر على المشركين حينما آذوه، ورموه بالكذب، والكهانة، والسحر، والجنون:

- قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره، ودعت على من صنع)) (٢).

- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال: فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئًا)) (٣).

- وعن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ((بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط وهو من الكفار، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً)) (٤).

- وصبر صلى الله عليه وسلم على المنافقين:


(١) ((محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه)) لعائض القرني – بتصرف - (ص: ٣١ - ٣٣).
(٢) رواه البخاري (٣١٨٥)، ومسلم (١٧٩٤) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٣٢٣١)، ومسلم (١٧٩٥) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٤) رواه البخاري (٣٨٥٦) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>