للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفاوت الناس في سرعة الغضب]

بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم طباع الناس وتفاوتهم في سرعة الغضب ورجوعهم عنه، فقال في الحديث الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وفيه:

(( ... ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى ... ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وإن منهم حسن القضاء حسن الطلب ومنهم سيئ القضاء حسن الطلب ومنهم حسن القضاء سيئ الطلب فتلك بتلك ألا وإن منهم السيئ القضاء السيئ الطلب ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطلب ألا وشرهم سيئ القضاء سيئ الطلب ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض ... )) (١).

في هذا الحديث قسم النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى أقسام أربعة:

(الأول: بطيء الغضب سريع الفيء، أي: سريع الرجوع إلى حالة الهدوء واعتدال المزاج، وهذا خير الأقسام.

الثاني: سريع الغضب سريع الفيء، وسرعة الغضب خلق مذموم، إلا أن سرعة الفيء فضيلة محمودة، فهذه بهذه.

الثالث: بطيء الغضب بطيء الفيء، أما بطء الغضب فخلق محمود يدل على الحلم، لكن بطء الفيء خلق مذموم يدل على الحقد وعدم التسامح، فهذه بهذه، ويظهر أن هذا القسم معادل للقسم الثاني.

الرابع: سريع الغضب بطيء الفيء، وهذا شر الأقسام، لأنه جمع الدائين معاً، وما اجتمع الداءان إلا ليقتلا، فسرعة الغضب خلق مذموم، وبطيء الفيء خلق مذموم، ويا بؤس من تلجئه الضرورة إلى معاشرة هذا القسم من الناس) (٢).

قال الراغب: (والغضب في الإنسان بمنزلة نار تشعل، والناس يختلفون فيه، فبعضهم كالحلفاء (٣) سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم كالغضى (٤) بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود، وبعضهم على عكس ذلك وهو أحمدهم ما لم يكن مفضياً به إلى زوال حميته وفقدان غيرته، واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حاراً يابساً يكثر غضبه، ومن كان بخلافه يقل، وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين، ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيحتد بأدنى ما يطرقه ككلب يسمع صوتاً فينبح قبل أن يعرف ما هو) (٥).


(١) رواه الترمذي (٢١٩١)، وأحمد (٣/ ١٩) (١١١٥٩) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وحسنه الترمذي، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (٨/ ٦٧): مدار أسانيده على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (١٦١٠).
(٢) ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبد الرحمن حبنكة الميداني (٢/ ٣٣٠).
(٣) الحلفاء: نبت أطرافه ممدودة ينبت في مفايض الماء، وبه صلابة تؤذي اليد إن شدته.
(٤) الغضى: شجرة دائمة الخضرة لها ورقة مثل الهدب.
(٥) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>