للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((علّموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)) (١).

قال ابن رجب: (وهذا أيضاً دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيراً من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُهُ، فإذا سكت زال هذا الشرّ كله عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي - رحمه الله -: ما امتلأتُ غيضاً قَطُّ ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليهِ إذا رضيتُ) (٢).

٨ - أن يذكر الله عز وجل فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه:

قال الله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:٢٤] قال عكرمة: يعني إذا غضبت.

وقال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:٢٠٠] ومعنى قوله ينزغنك أي يغضبنك، فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم يعني أنه سميع بجهل من جهل، عليم بما يذهب عنك الغضب ...

٩ - أن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها ...

١٠ - أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم ومذمة الانتقام ...

١١ - أن يذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه فيرغب في التألف وجميل الثناء (٣).

١٢ - (أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف في الآخرة.

١٣ - أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب.

١٤ - أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيراً في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!!

١٥ - أن يعلم أن غضبه إنما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى) (٤).

١٦ - أن يذكر ثواب من كظم غيظه:

قال سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:١٣٤]

(قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) (٥).

وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:٣٧]

(أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير) (٦).

وقال ابن كثير في تفسيره للآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم، تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس) (٧).

وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:٢٠١]

قال سعيد بن جبير: (هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ) (٨).


(١) رواه أحمد (١/ ٢٣٩) (٢١٣٦)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (٢٤٥)، والطيالسي (٤/ ٣٣٧). قال الهيثمي في ((المجمع)) (٨/ ٧٣): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات؛ لأن ليثا صرح بالسماع من طاوس. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٥٤٨٠).
(٢) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (١/ ٣٦٦).
(٣) من ٨ - ١٢ من كتاب ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي - بتصرف.
(٤) ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص ٢٣٤) بتصرف.
(٥) ((تفسير السعدي)) (١/ ١٤٨).
(٦) ((تفسير السعدي)) (١/ ٧٥٩).
(٧) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٧/ ٢١٠).
(٨) ((معالم التنزيل)) للبغوي (٣/ ٣١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>