للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رد المظالم]

من ابتلي بشيء من الظلم والتسلط على الناس سواء كان بأخذ مال، أو بغيره من أنواع الظلم فليتحلل منه في هذه الدنيا الفانية، فليس في الآخرة دينار ولا درهم، وإنما هو عمل صالح يؤخذ منه بقدر مظلمته ويعطى للمظلوم، وإن لم يكن له عمل صالح أخذ من سيئات المظلوم وحمله الظالم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) (١).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) (٢).

وعن عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما، فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى اللطمة فما فوقها، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى اللطمة فما فوقها وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:٤٩] قلنا يا رسول الله كيف وإنما نأتي حفاة عراة غرلا بهما؟ قال بالحسنات والسيئات جزاء وفاقا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) (٣).

وقال أبو الزناد: (كان عمرُ بنُ عبد العزيز يردُّ المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة، كان يكتفي باليسير، إذا عرف وجه مَظْلمةِ الرَّجُلِ ردَّها عليه، ولم يكلِّفْهُ تحقيقَ البيِّنةِ، لما يعرف مِنْ غشم الوُلاة قبله على الناس، ولقد أنفد بيت مال العراق في ردِّ المظالم حتى حُمِلَ إليها مِنَ الشَّامِ) (٤).

وذكر صاحب (العقد الفريد) قصة للمأمون: (وأنه جلس يوماً لرد المظالم، فكان آخر من تقدم إليه - وقد هم بالقيام - امرأة عليها هيئة السفر، وعليها ثياب رثة، فوقفت بين يديه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم. فقال لها يحيى: وعليك السلام يا أمة الله، تكلمي بحاجتك. فقالت:

يا خير منتصف يهدى له الرشد ... ويا إماماً به قد أشرق البلد

تشكو إليك عميد القوم أرملة ... عدى عليها فلم يترك لها سبد

وابتز مني ضياعي بعد منعتها ... ظلما وفرق مني الأهل والولد

فأطرق المأمون حيناً، ثم رفع رأسه إليها وهو يقول:

في دون ما قلت زال الصبر والجلد ... عني وأقرح مني القلب والكبد

هذا أذان صلاة العصر فانصرفي ... وأحضري الخصم في اليوم الذي أعد

فالمجلس السبت إن يقض الجلوس لنا ... ننصفك منه وإلا المجلس الأحد

قال: فلما كان يوم الأحد جلس، فكان أول من تقدم إليه تلك المرأة، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك السلام ثم قال: أين الخصم؟ فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين - وأومأت إلى العباس ابنه - فقال: يا أحمد بن أبي خالد، خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم. فجعل كلامها يعلو كلام العباس. فقال لها أحمد بن أبي خالد: يا أمة الله، إنك بين يدي أمير المؤمنين، وإنك تكلمين الأمير، فاخفضي من صوتك. فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها والباطل أخرسه. ثم قضى لها برد ضيعتها إليها، وظلم العباس بظلمه لها، وأمر بالكتاب لها إلى العامل الذي ببلدها أن يوغر لها ضيعتها ويحسن معاونتها، وأمر لها بنفقة) (٥).


(١) رواه البخاري (٦٥٣٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه مسلم (٢٥٨٢).
(٣) رواه أحمد (٣/ ٤٩٥) (١٦٠٨٥)، والحاكم (٢/ ٤٧٥)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٨/ ٢٦٥). وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٤/ ٢١٨)، والهيثمي في ((المجمع)) (١٠/ ٣٥٤)، وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (٣٦٠٨).
(٤) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (ص ٢٤١).
(٥) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (١/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>