للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذم التجسس والنهي عنه في القرآن والسنة]

ذم التجسس والنهي عنه في القرآن الكريم:

- نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس في آية محكمة وصريحة تدل على حرمة هذا الفعل المشين والخصلة المذمومة, وتبين أثرها السيئ على المجتمع المسلم وعلى تماسكه وترابطه فقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: ١٢].

قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير هذه الآية: قوله: (ولا تجسسوا) يقول: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره .. ثم ذكر أثر ابن عباس: (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) (١).

وقال الإمام البغوي: (نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها) (٢).

- ومن ذلك قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: ٥٨].

وأي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس, والبحث عن سوءاتهم, والتجسس عليهم, وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم.

قال الشيخ ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله) (٣).

- وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: ٤٧].

قال مجاهد: معناه وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس (٤).

وقال الإمام القرطبي: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي عيون لهم ينقلون إليهم الأخبار منكم (٥).

ذم التجسس والنهي عنه في السنة النبوية:

ولقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس والتحذير منه, وبين أنه مفسد للأخوة, وسبب في تقطيع الأواصر والصلات, وسبيل إلى إفساد الناس:

- فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً)) (٦).

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (التجسس أن لا تترك عباد الله تحت سترها فتتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس عن أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك) (٧).


(١) رواه الطبري في ((تفسيره)) (٢٢/ ٣٠٤).
(٢) ((تفسير البغوي)) (٧/ ٣٤٥).
(٣) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (٦/ ٢٥١ – ٢٥٢).
(٤) ((تفسير البغوي)) (٤/ ٥٦).
(٥) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (٨/ ١٥٧).
(٦) رواه البخاري (٦٠٦٤)، ومسلم (٢٥٦٣).
(٧) ((بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية)) لمحمد بن محمد الخادمي (٢/ ٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>