للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) (١).

قال صاحب عون المعبود: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه): فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن, (ولا تتبعوا عوراتهم): أي لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم .... (يتبع الله عورته): ذكره على سبيل المشاكلة أي يكشف عيوبه وهذا في الآخرة. وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه, (يفضحه): أي يكشف مساويه, (في بيته): أي ولو كان في بيته مخفياً من الناس) (٢).

- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)). فقال أبو الدرداء: (كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها) (٣).

- وفي رواية أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) (٤).

قال الإمام المناوي رحمه الله: (أي ولوا عن الناس ولا تتبعوا أحوالهم ولا تبحثوا عن عوراتهم ... ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها أوقعتهم في الفساد أو قاربت أن تفسدهم لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها، والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم) (٥).

- وعن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن أرى عينيه في المنام ما لم ير كلف أن يعقد شعيرة)) (٦).

- وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ وَأَبي أُمَامَةَ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ((إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِى النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ)) (٧).

يقول المناوي رحمه الله: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم) (٨).


(١) رواه أبو داود (٤٨٨٠)، وأحمد (٤/ ٤٢٠) (١٩٧٩١)، وأبو يعلى (١٣/ ٤١٩) (٧٤٢٣)، والبيهقي (١٠/ ٢٤٧) (٢٠٩٥٣). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٣/ ١٧٥): إسناده جيد، وقال الألباني في ((٤٨٨٠)): حسن صحيح.
(٢) ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للعظيم آبادي (٩/ ٢١٦٠).
(٣) رواه أبو داود (٤٨٨٠)، وأبو يعلى (١٣/ ٣٨٢) (٧٣٨٩)، وابن حبان (١٣/ ٧٢) (٥٧٦٠)، والطبراني (١٩/ ٣٧٩) (١٦٥٦٠)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٧/ ١٠٧) (٩٦٥٩). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه النووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (٥٠٨)، وصحح إسناده ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (١/ ٣٠٠)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٤) رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (٢٤٨)، والطبراني (١٩/ ٣٦٥) (٨٥٩). قال الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (١٨٦): صحيح.
(٥) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي بتصرف يسير (١/ ٧١٣).
(٦) رواه الطبراني (١١/ ٢٤٨) (١١٦٣٧). قال الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٠٢٨): صحيح. والحديث رواه بنحوه البخاري (٧٠٤٢).
(٧) رواه أبو داود (٤٨٨٩)، وأحمد (٦/ ٤) (٢٣٨٦٦)، والطبراني (٨/ ١٠٨) (٧٥١٦)، والحاكم (٤/ ٤١٩)، والبيهقي (٨/ ٣٣٣) (١٧٤٠٢). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٢٤٢): [فيه] إسماعيل بن عياش وجبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو في التابعين وكثير بن مرة نص الأئمة على أنه تابعي وذكره عبدان في الصحابة، قال الهيثمى (٥/ ٢١٨): رواه أحمد والطبرانى، ورجاله ثقات، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٣/ ٤٦٩) كما قال في المقدمة، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (١٩٥٦)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(٨) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (٢/ ٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>