للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذم الفتور في القرآن والسنة]

ذم الفتور في القرآن الكريم:

- قال تعالى عن الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: ٢٠] لا يَفْتُرُونَ لا يلحقهم الفتور والكلال. وحاصل الآية أن الملائكة مع غاية شرفهم ونهاية قربهم لا يستنكفون عن طاعة الله، فكيف يليق بالبشر مع ضعفهم ونقصهم أن يتمردوا عن طاعته (١).

- وقال تعالى عن موسى عليه السلام: اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه: ٤٢ - ٤٣].

(الونى. الفتور والتقصير. وقرئ: تنيا، بكسر حرف المضارعة للاتباع، أي: لا تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما، واتخذا ذكري جناحا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد مني، معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكري. ويجوز أن يريد بالذكر تبليغ الرسالة، فإن الذكر يقع على سائر العبادات، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها، فكان جديرا بأن يطلق عليه اسم الذكر) (٢).

· وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن واجب الجهاد، والفتور فيه، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: ٣٨].

قال ابن كثير: (أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار، أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ [التوبة: ٣٨] أي: ما لكم فعلتم (٢) هكذا أرضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة

ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا، ورغب في الآخرة، فقال: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ [التوبة: ٣٨]) (٣).

- وقال تعالى عن المنافقين الذين هم أشد الناس كسلاً وأكثرهم فتوراً: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: ١٤٢].

قال ابن كثير: (هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها ... وعن ابن عباس قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله تعالى وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه) (٤).

ذم الفتور في السنة النبوية:

يصيب الفتور كل شرائح المجتمع المسلم؛ من عابد، وطالب علم، وداعية .. الخ، ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه.

- فعن عائشة - رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم والمغرم)) (٥).

- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال)) (٦).


(١) ((غرائب القرآن)) للنيسابوري (٥/ ٩).
(٢) ((الكشاف)) للزمخشري (٣/ ٦٥).
(٣) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٤/ ١٥٣).
(٤) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٢/ ٤٣٨).
(٥) رواه البخاري (٦٣٦٨) ومسلم (٥٨٩) واللفظ للبخاري.
(٦) رواه البخاري (٢٨٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>