للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن بطال: (الاستعاذة من العجز والكسل لأنهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله وحقوق نفسه وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل والإجمال في الطلب ولا يكون عالةً ولا عيالاً على غيره ما متّع بصحة جوارحه وعقله) (١).

وقال الكلاباذي: (الكسل: فتور في الإنسان عن الواجبات، فإن الفتور إذا كان في الفضول وما لا ينبغي فليس بكسل بل هو عصمة، وإذا كان في الواجبات فهو كسل، وهو الثقل، والفتور عن القيام بالواجب، وهو الخذلان، قال الله عز وجل: وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ [التوبة: ٤٦]، وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن الواجب، والفتور فيه، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: ٣٨] والهرم: فتور من ضعف يحل بالإنسان، فلا يكون به نهوض، ففتور الهرم فتور عجز، وفتور الكسل فتور تثبيط وتأخير، فاستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتور في أداء الحقوق، والقيام بواجب الحق من الوجهين جميعا، من جهة عجز ضرورة وحرمان منها مع الإمكان) (٢).

- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما قال: ((كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل))، وفي رواية ((فقد هلك)) وفي لفظ: ((ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه)) (٣).

قيل للحسن البصري لما روى هذا الحديث: (إنك إذا مررت بالسوق فإن الناس يشيرون إليك؟ فقال: لم يرد ذلك وإنما أراد المبتدع في دينه والفاجر في دنياه) (٤).

وعلق ابن تيمية على كلام الحسن البصري فقال: (وهو كما قال الحسن رضي الله عنه، فإن من الناس من يكون له شدة ونشاط وحدة واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابد من فتور في ذلك.

وهم في الفترة نوعان: منهم: من يلزم السنة فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نهي عنه بل يلزم عبادة الله إلى الممات، ومنهم: من يخرج إلى بدعة في دينه أو فجور في دنياه حتى يشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدا في الدين ثم صار كذا وكذا، فهذا مما يخاف على من بدل عن العبادات الشرعية إلى الزيادات البدعية) (٥).

- وعن أنس، قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل، أو فتر قعد)) (٦).

قال النووي: (وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور) (٧).

- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) (٨).

قال المباركفوري: (قيل: معنى قوله (كان يقوم الليل) أي غالبه أو كله (فترك قيام الليل) أصلاً حين ثقل عليه، أي فلا تزد أنت في القيام أيضاً فإنه يؤدي إلى ترك رأساً. قال السندي: يريد أن الإكثار في قيام الليل قد يؤدي إلى تركه رأساً، كما فعل فلان، فلا تفعل أنت ذاك، بل خذ فيه التوسط والقصد أي؛ لأن التشديد في العبادة قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم. وقال في اللمعات: فيه تنبيه على منعه من كثرة قيام الليل والإفراط فيه، بحيث يورث الملالة والسآمة) (٩).


(١) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (١٠/ ١١٩).
(٢) ((بحر الفوائد)) للكلاباذي (ص٢٣١).
(٣) رواه البزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (٢/ ٢٦١)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (٣/ ٢٦٨) (١٢٤١). قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (٦/ ٨٣٨): [فيه] مسلم بن كيسان الملائي الأعور وهو ضعيف لكنه في الشواهد لا بأس به.
(٤) ((مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة)) لابن تيمية (ص ٧٨).
(٥) ((مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة)) لابن تيمية (ص ٧٨).
(٦) رواه البخاري (١١٥٠) ومسلم (٧٨٤) واللفظ له.
(٧) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (٦/ ٧٣).
(٨) رواه البخاري (١١٥٢).
(٩) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (٤/ ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>