للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكرم والجود في واحة الشعر ..]

قال كلثوم بن عمرو التغلبي من شعراء الدولة العباسية:

إن الكريم ليخفى عنك عسرته ... حتى تراه غنياً وهو مجهود

وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود

إذا تكرمت عن بذل القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود

بث النوال ولا تمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود (١)

وقال المنتصر بن بلال الأنصاري:

الجود مكرمة والبخل مبغضة ... لا يستوي البخل عند الله والجود

والفقر فيه شخوص والغنى دعة ... والناس في المال مرزوق ومحدود (٢)

وقال قيس بن عاصم لزوجته:

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني لست آكله وحدي

أخاً طارقاً أو جار بيت فإنني ... أخاف ملامات الأحاديث من بعدي

وإني لعبد الضيف من غير ذلة ... وما في إلا ذاك من شيمة العبد (٣)

وقال الحسين بن سهل:

يقولون إني مسرف إذ يرونني ... أطوق أعناق الرجال بإحساني

فقلت لهم موتوا لئاماً بغيظكم ... فإني شريت المجد بالتافه الداني

إذا جئتم يوم الحساب بكنزكم ... أجيء بعفو من إلهي وغفران

وقال أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه اليماني:

سأبذل مالي كلما جاء طالب ... وأجعله وقفاً على القرض والفرض

فإما كريماً صنت بالجود عرضه ... وإما لئيماً صنت عن لؤمه عرضي (٤)

وقال حجبة بن المضرب:

أناس إذا ما الدهر أظلم وجهه ... فأيديهم بيض وأوجههم زهر

يصونون أحسابا ومجدا مؤثلا ... ببذل أكف دونها المزن والبحر

سموا فِي المعالي رتبةً فوق رتبةٍ ... أحلتهم حيث النعائم والنسر

أضاءت لهم أحسابهم فتضاءلت ... لنورهم الشمس المنيرة والبدر

فلو لامس لهم الصخر الأصم أكفهم ... لفضت ينابيع الندى ذَلِكَ الصخر

ولو كَانَ فِي الأرض البسيطة منهم ... لمختبط عاف لما عرف الفقر

شكرت لكم آلاءكم وبلاءكم ... وما ضاع معروف يكافئه شكر (٥)

وقال آخر:

ويظهر عيب المرء في الناس بخله ... ويستره عنهم جميعاً سخاؤه

تغط بأثواب السخاء فإنني ... أرى كل عيب والسخاء غطاؤه (٦)

وقال آخر:

حر إذا جئته يوماً لتسأله ... أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا

يخفي صنائعه والله يظهرها ... إن الجميل إذا أخفيته ظهرا (٧)

وقال الراضي العباسي:

لا تعذلوا كرمي على الإسراف ... ربح المحامد متجر الأشراف

إني من القوم الذين أكفهم ... معتادة الإتلاف والإخلاف (٨)

وقال حاتم الطائي:

أماوى إن المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذكر

أماوى إني لا أقول لسائل ... إذا جاء يوماً: حل في ما لنا نذر

أماوى إما مانع فمبين ... وإما عطاء لا ينهنهه الزجر

أماوى ما يغنى الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

أماوى إن يصبح صداي بقفرة ... من الأرض لا ماء لدي ولا خمر

ترى أن ما أنفقت لم يك ضرني ... وأن يدي مما بخلت به صفر

وقد علم الأقوام لو أن حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر (٩)

وقال آخر:

لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف

فإن تولت فأخرى أن تجود بها ... فالشكر منها إذا ما أدبرت خلف (١٠)

وقال أحمد بن إبراهيم العبرتاني:

لا تكثري في الجود لائمتي ... وإذا بخلت فأكثري لومي

كفي فلست بحامل أبداً ... ما عشت هم غدٍ على يومي (١١) ...


(١) ((الحماسة البصرية)) لأبي الحسن البصري (٢/ ٦٣).
(٢) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص٢٣٥).
(٣) ((شرح ديوان الحماسة)) للتبريزي (٢/ ٣١٠).
(٤) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص٢٣٨).
(٥) ((الأمالي)) للقالي (١/ ٥٤)
(٦) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص٢٢٧).
(٧) ((المحاسن والأضداد)) للجاحظ (١/ ٩٢)
(٨) ((الأوراق قسم أخبار الشعراء)) للصولي (٢/ ٥٤).
(٩) ((الشعر والشعراء)) للدينوري (١/ ٢٣٩).
(١٠) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص٢٦٢).
(١١) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (٤/ ٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>