للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من صبر الصحابة رضوان الله عليهم]

(علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف يصبرون في مختلف الأمور وضروبها، فقد علمهم الصبر من أجل هذا الدين، والتضحية في سبيله) (١).

(والصحابة رضي الله عنهم لهم مواقف كثيرة جدا لا يستطيع أحد أن يحصرها، لأنهم رضي الله عنهم باعوا أنفسهم، وأموالهم، وحياتهم لله، ابتغاء مرضاته، وخوفاً من عقابه، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة) (٢). وإليك نماذج من صبرهم رضي الله عنهم وأرضاهم:

صَبرُ آل ياسر رضي الله عنهم

وآل ياسر رضي الله عنهم - عمار، وأبوه ياسر، وأمه سمية - يعذبهم المشركون بسبب إيمانهم فيصمدون، عن عثمان رضي الله عنه قال: (أما إني سأحدثكم حديثا عن عمار: أقبلت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في البطحاء حتى أتينا على عمار وأمه وأبيه وهم يعذبون.

فقال ياسر للنبي صلى الله عليه وسلم: الدهر هكذا. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: اصبر. ثم قال: اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت) (٣). وروى الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق قال: ((كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه أهل بيت إسلام وكان بنو مخزوم يعذبونهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)) (٤).

بلال رضي الله عنه يُعَذَّب فيصبر:

فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يعذب من أجل إيمانه فيصبر. (فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد فيقول وهو في ذلك أحد أحد) (٥).

وعن زر، عن عبد الله قال: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد.

فأما النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر: فمنعهما الله بقومهما.

وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد) (٦).

أم سلمة رضي الله عنها وصبرها عند فقد ابنها

وهذه أم سلمة تصبر عن موت فلذة كبدها، يروي لنا أنس رضي الله عنه قصتها فيقول: ((أن أبا طلحة كان له ابن يكنى أبا عمير قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبا عمير ما فعل النغير؟ قال: فمرض وأبو طلحة غائب في بعض حيطانه فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا وقالت: لا يكون أحد يخبر أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره فجاء أبو طلحة كالا وهو صائم فتطيبت له وتصنعت له وجاءت بعشائه فقال: ما فعل أبو عمير؟ فقالت: تعشى وقد فرغ قال: فتعشى وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله ثم قالت: يا أبا طلحة أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عارية فطلبها أصحابها أيردونها أو يحبسونها؟ فقال: بل يردونها عليهم قالت: احتسب أبا عمير قال: فغضب وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول أم سليم فقال صلى الله عليه وسلم: بارك الله لكما في غابر ليلتكما)) (٧).


(١) ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد (ص ١٩٧).
(٢) ((الأخلاق الإسلامية)) لخميس السعيد (ص ٨٩).
(٣) رواه أحمد (١/ ٦٢) (٤٣٩) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (١/ ٤١٠): مرسل، وله إسناد آخر لين، وآخر غريب. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٧/ ٢٣٠): رجاله رجال الصحيح إلا أنه منقطع. وضعف إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (١/ ٢١٧).
(٤) رواه الحاكم في ((المستدرك)) (٣/ ٤٣٢)، والبيهقي في ((الشعب)) (١٥١٥) من حديث ابن إسحاق رحمه الله.
(٥) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (١/ ١٤٨) من حديث ابن إسحاق رحمه الله.
(٦) ((سير أعلام النبلاء)) (١/ ٣٠٢).
(٧) رواه مسلم (٢١٤٤)،وابن حبان في ((صحيحه)) (١٦/ ١٥٨) واللفظ له، من حديث أنس رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>