للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حث الإسلام على الخلق الحسن]

(لما كانت ثمرات الخلق القويم للسلوك الديني وللسلوك الشخصي عظيمة جداً، وكانت لدى المقارنة أجل من الثمرات التي تحققها المبالغة في أداء كثير من العبادات المحضة.

ولما كانت سلامة النفس من المساوئ الخلقية أهم من سلامة السلوك الظاهر من طائفة من المعاصي والذنوب الظاهرة، وكان ما يتحقق بحسن الخلق من رضوان الله تعالى أكثر مما يتحقق بالاستكثار من نوافل العبادات المحضة، كالصلاة والصيام والأذكار اللسانية.

لما كان كل ذلك وجدنا النصوص الإسلامية توجه الاهتمام العظيم والعناية الكبرى لقيمة حسن الخلق في الإسلام، وتذكر الخلق الحسن بتمجيد كبير، فمنها النصوص التالية:

أولاً: روى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم:

((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم)) (١).

وفي حديث عمرو بن عبسة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإيمان أفضل؟ قال: ((حسن الخلق)) (٢).

فربط الرسول صلى الله عليه وسلم الارتقاء في مراتب الكمال الإيماني بالارتقاء في درجات حسن الخلق، وذلك لأن السلوك الأخلاقي النابع من المنابع الأساسية للخلق النفسي في الإنسان، موصول هو والإيمان وظواهره وآثاره في السلوك ببواعث نفسية واحدة.

فصدق العبادة لله تعالى عمل (أخلاقي) كريم، لأنه وفاء بحق الله على عبيده.

وحسن المعاملة مع الناس وفاء بحقوق الناس المادية والأدبية، فهي بهذا الاعتبار من الأعمال الأخلاقية الكريمة.

فإذا تعمقنا أكثر من ذلك فكشفنا أن الإيمان إذعان للحق واعتراف به، رأينا أن الإيمان أيضا هو عمل أخلاقي كريم، بخلاف الكفر بالحق فهو دناءة خلقية.

فإذا ضممنا هذه المفاهيم إلى المفهوم الإسلامي العام، الذي يوضح لنا أن كل أنواع السلوك الإنساني الفاضل فروع من فروع الإسلام، والإسلام التطبيقي آثار للإيمان وثمرات عملية له.

إذا جمعنا كل هذه المفاهيم وجدنا أن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

فأحسن الناس خلقا لابد أن يكون أصدقهم إيماناً وأخلصهم نية، وأكثرهم التزاماً بما يجب على العباد نحو ربهم من عبادة وحسن توجه له وصلة به، وأكثرهم التزاماً بحقوق الناس المادية والأدبية.

ومن المستبعد جداً أن يكون الإنسان ذا خلق كريم مع الناس، محباً للحق، معطاء، متواضعاً، صبوراً عليهم، رحيماً بهم، ودوداً لهم، متسامح النفس معهم، ثم لا يكون ذا خلق كريم مع ربه، فلا يؤمن بحق ربوبيته وألوهيته، ولا يذعن له بذلك، ولا يؤدي واجب العبادة له.

كما أنه ليس من المعقول أن يكون ذا خلق كريم مع الناس، وهو يأكل حقوقهم ويعتدي عليهم، ويتجاوز حدود الواجب الأدبي الذي توصي به الآداب الاجتماعية الإسلامية، فهذا مناف لما توجبه فضائل الأخلاق، لو كان حقاً ذا خلق كريم.


(١) رواه الترمذي (١١٦٢)، وأحمد (٢/ ٢٥٠) (٧٣٩٦). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم (١/ ٤٣)، قال الهيثمي في ((المجمع)) (٤/ ٣٠٦): رواه أحمد، وفيه محمد بن عمرو، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(٢) رواه أحمد (٤/ ٣٨٥) (١٩٤٥٤)، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (ص٣٠). قال الهيثمي في ((المجمع)) (١/ ٥٧): في إسناده شهر بن حوشب، وقد وثق على ضعف فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>