للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الجدال]

ينقسم الجدال إلى قسمين:

١ - الجدال المحمود:

وهو الذي يقوم على تقرير الحق وإظهاره بإقامة الأدلة والبراهين على صدقه. وفيه خير للإسلام وعزة للمسلمين لأن فيه دعوة الله وذب عن دينه، وقد جاءت نصوص تأمر بهذا النوع من الجدال، وهي التي تتعلق بإظهار الحق والدلالة عليه والدعوة إليه، وتدفع كل ما يلحق بالإسلام والمسلمين من أذى وإلصاق تهم باطلة.

وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الجدال في قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥]. وقال جل في علاه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: ٤٦].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) (١).

وقد حصل هذا النوع من الجدال بين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبين الخوارج زمن علي بن أبي طالب بأمر علي فأقام عليهم الحجة وأفحمهم، فرجع عن هذه البدعة خلق كثير. وكذلك مجادلة أحمد بن حنبل رحمه الله للمعتزلة، ومجادلات ابن تيمية لأهل البدع.

٢ - الجدال المذموم:

هو الجدال الذي يقوم على تقرير الباطل، وطلب المال والجاه، ويقوم على الزور وإضاعة الحقوق، ونشر الشهوات والشبهات، والتشكيك في الغيبيات التي أمرنا بالإيمان والتسليم والتصديق بها كأخبار الوحي وأسماء الله وصفاته، والبعث والنشور والجنة والنار، والجدال في القرآن.

وقد جاءت الكثير من النصوص والآثار التي حذرت من هذا النوع من الجدال ونهت عنه، ومن هذه النصوص:

قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ [الحج: ٣].

وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ [الحج: ٨].

وقوله سبحانه: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر: ٤].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((المراء في القرآن كفر)) (٢).

وقال ابن عثيمين: (المجادلة والمناظرة نوعان:

النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء ويجاري العلماء ويريد أن ينتصر قوله؛ فهذه مذمومة.

النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه؛ فهذه محمودة مأمور بها) (٣).

وقال الكرماني: (الجدال: هو الخصام ومنه قبيح وحسن وأحسن؛ فما كان للفرائض فهو أحسن، وما كان للمستحبات فهو حسن، وما كان لغير ذلك فهو قبيح) (٤)


(١) رواه أبو داود (٢٥٠٤)، والنسائي (٣٠٩٦)، وأحمد (٣/ ١٢٤) (١٢٢٦٨). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٣٥٧٨).
(٢) رواه أبو داود (٤٦٠٣)، وأحمد (٢/ ٣٠٠) (٧٩٧٦)، وابن حبان (١/ ٢٧٥) (٧٤). قال الهيثمي في ((المجمع)) (٧/ ١٥٤): رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٩١٨٧)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٦٨٧).
(٣) ((العلم)) (ص١٦٤).
(٤) ((فتح الباري)) لابن حجر (١٣/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>