للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من عفوه صلى الله عليه وسلم:]

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ القمة والدرجة العالية في العفو والصفح، كما هو شأنه في كل خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكان عفوه يشمل الأعداء فضلاً عن الأصدقاء.

(وكان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صفحاً، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم أو تعنيفهم أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلق منهم شيئاً.

وفي تأديب الله لرسوله بهذا الأدب أنزل الله عليه في المرحلة المكية قوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [الحجر:٨٥ - ٨٦] ثم أنزل عليه قوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:٨٩] فكان يقابل أذى أهل الشرك بالصفح الجميل، وهو الصفح الذي لا يكون مقروناً بغضب أو كبر أو تذمر من المواقف المؤلمة وكان كما أدبه الله تعالى. ثم كان يقابل أذاهم بالصفح الجميل، ويعرض قائلاً: سلام.

وفي العهد المدني لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة أنواعاً من الخيانة فأنزل الله عليه قوله: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: ١٣] فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم وعفا وصفح، حتى جاء الإذن الرباني بإجلائهم، ومعاقبة ناقضي العهد منهم) (١).

- فعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.

قال الله- تعالى-: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الآية [آل عمران: ١٨٦]. وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الآية [البقرة: ١٠٩]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمر الله به ... )) (٢).

- وعن أبي عبد الله الجدلي قال: ((قلت لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله قالت كان أحسن الناس خلقا لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا بالأسواق ولا يجزئ بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح)) (٣).


(١) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبدالرحمن الميداني (١/ ٤٣٢).
(٢) رواه البخاري (٤٥٦٦).
(٣) رواه الترمذي (٢٠١٦)، أحمد (٦/ ٢٣٦) (٢٦٠٣٢)، وابن حبان (١٤/ ٣٥٥). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (١٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>