للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترغيب والحث على الإيثار من القرآن والسنة]

الترغيب والحث على الإيثار من القرآن الكريم:

يعتبر الإيثار من محاسن الأخلاق الإسلامية, فهو مرتبة راقية من مراتب البذل, ومنزلة عظيمة من منازل العطاء, لذا أثنى الله على أصحابه , ومدح المتحلين به, وبين أنهم المفلحون في الدنيا والآخرة

- قال الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: ٩]

قال الطبري: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهُوَ يَصِفُ الأَنْصَارَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ. مِنْ قَبْلِ الْمُهَاجِرِينَ: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. يَقُولُ: وَيُعْطُونَ الْمُهَاجِرِينَ أَمْوَالَهُمْ إِيثَارًا لَهُمْ بِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. يَقُولُ: وَلَوْ كَانَ بِهِمْ حَاجَةٌ وَفَاقَةٌ إِلَى مَا آثَرُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. (١).

وقال ابن كثير: أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك (٢).

ويقول ابن تيمية: (وأما الإيثار مع الخصاصة فهو أكمل من مجرد التصدق مع المحبة فإنه ليس كل متصدق محبا مؤثرا ولا كل متصدق يكون به خصاصة بل قد يتصدق بما يحب مع اكتفائه ببعضه مع محبة لا تبلغ به الخصاصة) (٣).

- وقال الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران: ٩٢].

يقول السعدي: يعني: (لن تنالوا وتدركوا البر، الذي هو اسم جامع للخيرات، وهو الطريق الموصل إلى الجنة، حتى تنفقوا مما تحبون، من أطيب أموالكم وأزكاها. فإن النفقة من الطيب المحبوب للنفوس، من أكبر الأدلة على سماحة النفس، واتصافها بمكارم الأخلاق، ورحمتها ورقتها, ومن أدل الدلائل على محبة الله، وتقديم محبته على محبة الأموال، التي جبلت النفوس على قوة التعلق بها، فمن آثر محبة الله على محبة نفسه، فقد بلغ الذروة العليا من الكمال، وكذلك من أنفق الطيبات، وأحسن إلى عباد الله، أحسن الله إليه ووفقه أعمالا وأخلاقا، لا تحصل بدون هذه الحالة) (٤).

- وقال تبارك وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: ١٧٧]

فبين الله تبارك وتعالى أن من البر بعد الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والأنبياء .. إطعام الطعام لمحتاجيه, وبذله لمريديه, مع حبه واشتهائه والرغبة فيه, وقد جاء به الله تعالى – أي إطعام الطعام - بعد أركان الإيمان مباشرة وفي ذلك دلالة على عظمته وعلو منزلته.


(١) ((جامع البيان)) للطبري (٢٢/ ٥٢٧).
(٢) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٨/ ٧٠).
(٣) ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (٧/ ١٢٩)
(٤) ((تفسير السعدي)) (١/ ٩٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>