للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فضل الصمت]

إن الشرع قد حث على الصمت ورغب فيه؛ لأنه يحفظ الإنسان من الوقوع في آفات اللسان ومنكرات الأقوال، ويَسْلَمْ به من الاعتذار للآخرين.

(عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: أربعٌ لا يصبن إلّا بعجبٍ: الصّمت وهو أوّل العبادة، والتّواضع، وذكر الله، وقلّة الشّيء) (١).

(وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أفضل العبادة الصمت، وانتظار الفرج) (٢).

و (عن وهيب بن الورد رحمه الله، قال: كان يقال: الحكمة عشرة أجزاءٍ: فتسعةٌ منها في الصّمت، والعاشرة عزلة النّاس) (٣).

(ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر وهو أن الكلام أربعة أقسام: قسم هو ضرر محض، وقسم هو نفع محض، وقسم فيه ضرر ومنفعة، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة.

أما الذي هو ضرر محض؛ فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر.

وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر؛ فهو فضول والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران، فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع، وهذا الربع فيه خطر، إذ يمتزج بما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس وفضول الكلام امتزاجاً يخفى دركه فيكون الإنسان به مخاطراً ومن عرف دقائق آفات اللسان على ما سنذكره علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب حيث قال: ((من صمت نجا)) (٤). فلقد أوتي والله جواهر الحكم قطعا وجوامع الكلم ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء) (٥).


(١) رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (ص٢٦٢)، وابن أبي عاصم في ((الزهد)) (ص٣٦)،وابن شاهين في ((الترغيب في فضائل الأعمال)) (ص١١٦)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٩/ ٣٦٦) موقوفا.
(٢) ((البيان والتبيين)) (١/ ٢٤٥).
(٣) ((الصمت)) لابن أبي الدنيا (ص: ٦٢).
(٤) رواه الترمذي (٢٥٠١)، وأحمد (٢/ ١٥٩) (٦٤٨١)، والدارمي (٣/ ١٧٨١) (٢٧٥٥) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٣٤٣): رواته ثقات. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦٣٦٧).
(٥) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (٣/ ١١١ - ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>