للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من عفة الصحابة رضي الله عنهم:]

عفة حكيم بن حزام رضي الله عنه:

- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل، ولا يشبع اليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم، فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر، رضي الله عنه، يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه ثم إن عمر، رضي الله عنه، دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا فقال عمر إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي)) (١).

عفة مرثد بن أبي مرثد رضي الله عنه:

- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: ((كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إليَّ عرَفَتْ، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة. قال: قلت: يا عناق حرم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أُسراءَكم، قال: فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت، فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فظل بولهم على رأسي وعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أكبله فجعلت أحمله ويعييني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقا؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي شيئا حتى نزلت الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، فلا تنكحها)) (٢).

عفة عثمان بن طلحة رضي الله عنه:

- حادثة تبين لنا عفة وشهامة عثمان بن طلحة رضي الله عنه، ولنترك المجال لصاحبة الموقف أم سلمة رضي الله عنها تروي لنا القصة فتقول: (( ... وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسى سنة أو قريبا منها، حتى مر بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت، قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أو ما معك أحد؟ قلت: لا والله إلا الله وبني هذا، قال: والله مالك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة، قال: وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب أبو سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة)) (٣).


(١) رواه البخاري (١٤٧٢) ومسلم (١٠٣٥). واللفظ للبخاري.
(٢) رواه الترمذي (٣١٧٧)، والنسائي (٣٢٢٨). قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال ابن عربي في ((عارضة الأحوذي)) (٦/ ٢٦٠): حسن صحيح جدًا. وحسن إسناده الألباني في ((صحيح النسائي)) (٣٢٢٨).
(٣) ((سيرة ابن هشام)) (١/ ٤٦٩)، وذكره ابن منده في ((الفوائد)) (ص٢٩٢ - ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>