للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوسائل المعينة للتخلق بصفة الحلم]

السبب الأول من الأسباب التي تعين على التخلق بصفة الحلم: تذكر كثرة حلم الله على العبد، فالله سبحانه وتعالى حليم، يرى معصية العاصي ومخالفته لأمره فيمهله قال تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة: ٢٣٥]

قال أبو حاتم: (الواجب على العاقل، إذا غضب واحتدَّ أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعديه حرماته، ثم يحلم، ولا يخرجه غيظه إلى الدخول في أسباب المعاصي) (١).

وقال محمد بن السعدي لابنه عروة لما ولي اليمن: (إذا غضبت فانظر إلى السماء فوقك، وإلى الأرض تحتك، ثم عظم خالقهما) (٢).

السبب الثاني: تذكر الثواب من الله للعافين عن الناس، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: ١٣٣ - ١٣٤]،

عن أبي جعفر الخطمي أن جده عمير وكانت له صحبة أوصى بنيه: (يا بني إياكم ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم دناءة من يحلم على السفيه يسر بحلمه ومن يجبه يندم ومن يصبر على ما يكره يدرك ما يحب وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى ويثق بالثواب من الله فإن من وثق بالثواب لم يجد مس الأذى) (٣).

السبب الثالث: الرحمة بالجاهل، ومن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك قال: ((بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مه مه. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه دعوه. فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن. أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه)) (٤).

السبب الرابع: القدرة على الانتصار وهذا ناتج عن سعة الصدر والثقة بالنفس ومن ذلك عفوه صلى الله عليه وسلم عن حاطب بن أبي بلتعةرضي الله عنه.

قال أبو حاتم: (ولم يقرن شيء إلى شيء أحسن من عفو إلى مقدرة. والحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام) (٥).

السبب الخامس: الترفّع عن المعاملة السيئة بالمثل، وهذا يدل على شرف النفس، وعلو الهمة ومن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله، قال: ((غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة نجد فلما أدركته القائلة وهو في واد كثير العضاة فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه فتفرق الناس في الشجر يستظلون وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا فإذا أعرابي قاعد بين يديه فقال إن هذا أتاني وأنا نائم فاخترط سيفي فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط صلتا قال من يمنعك مني قلت الله فشامه ثم قعد فهو هذا قال ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (٦).

السبب السادس: التفضّل على المسيء، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه أعرابي , فأخذ بردائه, فجبذه جبذةً شديدة .... ) والحديث تقدم.


(١) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص ٢١٢).
(٢) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص ٢١٢).
(٣) ((الحلم)) لابن أبي الدنيا (ص ٣٠).
(٤) رواه مسلم (٢٨٥) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٥) ((روضة العقلاء)) (ص ٢٠٨) لابن حبان البستي.
(٦) رواه البخاري (٤١٣٩) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>