للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من حياء النبي صلى الله عليه وسلم:]

كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً، بل كان أشد حياء من العذراء في خدرها؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها)) (١).وكان إذا كره شيئًا عرفه الصحابة في وجهه.

قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: ٢١].

- حياؤه من الله:

ومن مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم حياؤه من خالقه سبحانه وتعالى؛ وذلك لما طلب موسى عليه السلام من نبينا صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء أن يراجع ربه في قضية تخفيف فرض الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام: ((استحييت من ربي)) (٢).

فحياء النبي صلى الله عليه وسلم منعه من مراجعة ربه بعد أن سأله مرات أن يخفف عن أمته عدد الصلوات.

- حياؤه من الناس:

من ذلك ما روي عن عائشة، ((أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثم قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها. قالت: كيف أتطهر بها؟ قالت: فستر وجهه بطرف ثوبه وقال: سبحان الله تطهري بها. قالت عائشة: فاجتذبت المرأة فقلت: تتبعي بها أثر الدم)). (٣)

- حياؤه عند زواجه من زينب رضي الله عنها:

ومن صور حيائه صلى الله عليه وسلم، ما جاء في الصحيحين، عن أنس بن مالك قال: ((بني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب ابنة جحش بخبز ولحم فأرسلت على الطعام داعيا فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقلت: يا رسول الله ما أجد أحدا أدعوه قال: ارفعوا طعامكم وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته قالت: وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ بارك الله لك؟ فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة فما أدري أخبرته أم أخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخله والأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه وأنزل آية الحجاب)) (٤).

- حياؤه في تعامله مع من بلغه عنه شيئاً:

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- ((إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيءُ لَمْ يَقُلْ مَا بَالُ فُلاَنٍ يَقُولُ وَلَكِنْ يَقُولُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا)) (٥).

- حياء النبي صلى الله عليه وسلم عندما يأتي أهله:

روى الخطيب في تاريخه عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه زاد الخلال وقال للتي تكون تحته عليك بالسكينة والوقار)) (٦).

وكان في بيته أشد حياء من العاتق لا يسألهم طعاماً ولا يتشهاه عليهم إن أطعموه أكل وما أعطوه قبل وما سقوه شرب وكان ربما قام فأخذ ما يأكل بنفسه أو يشرب (٧).

بل كان إذا أراد أن يغتسل اغتسل بعيدًا عن أعين الناس، ولم يكن لأحد أن يراه، وإن ذلك على شيء فإنما يدل على شدة حيائه صلى الله عليه وسلم.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتٍ، وَمَا رَأَى عَوْرَتَهُ أَحَدٌ قَطُّ)) (٨).

ومن حيائه صلى الله عليه وسلم ما ورد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَيِيًّا لاَ يُسْأَلُ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَى)) (٩).


(١) [١٠٢٢]- رواه البخاري (٣٥٦٢) ومسلم (٢٣٢٠) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) [١٠٢٣]- رواه البخاري (٣٤٩) ومسلم (١٦٣) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(٣) [١٠٢٤]- رواه البخاري (٣١٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٤) [١٠٢٥]- رواه البخاري (٤٧٩٣) من حديث أنس رضي الله عنه.
(٥) [١٠٢٦]- رواه أبو داود (٤٧٨٨)، والطحاوي في ((شرح المشكل)) (١٥/ ١١٤)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (١٠/ ٤٢٧) من حديث عائشة رضي الله عنه. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٦٦١٤)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (١٦١٢): صحيح على شرط الشيخين.
(٦) [١٠٢٧]- رواه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (٦/ ٣٧٩) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(٧) [١٠٢٨]- ((إحياء علوم الدين)) (٢/ ١٩٧).
(٨) [١٠٢٩]- رواه الطبراني في ((الكبير)) (١١/ ٨٥) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٩) [١٠٣٠]- رواه الدارمي (١/ ٢١١) (٧٢)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (٤/ ٣٣) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>