للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صور علو الهمة]

مظاهر وصور علو الهمة كثيرة جداً فالأعمال الجادة كلها تحتاج إلى علو الهمة وسنتحدث عن بعض مظاهر علو الهمة وهي كالتالي:

١ - علو الهمة في طلب العلم:

من مظاهر علو الهمة الاهتمام في طلب العلم فبالعلم تعلو الهمة ويُرفع طالبه قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: ١١].

قال الشوكاني في الحث على علو الهمة في طلب العلم: (فإن الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه بنفسه وملائكته فقال شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران:١٨].

وقصر الخشية له التي هي سبب الفوز لديه عليهم فقال (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر:٢٨].

وأخبره عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات فقال يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة:١١] وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن العلماء ورثة الأنبياء.

وناهيك بهذه المزية الجليلة والمنقبة النبيلة فأكرم بنفس تطلب غاية المطالب في أشرف المكاسب وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة ولا تساميه منقبة ولا تقاربه مكرمة) (١).

٢ - علو الهمة في الدعوة إلى الله:

من مظاهر علو الهمة الدعوة إلى الله فالمسلم يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بما علم قال صلى الله عليه وسلم: ((بلغوا عني ولو آية)) (٢) والداعية إلى الله سبحانه وتعالى همه هداية الناس ودعوتهم إلى الحق فيقوم ببذل نفسه في سبيل الدعوة إلى الله، قال ابن حزم: (لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء إلى حق وفي حماية الحريم وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى وفي نصر مظلوم وباذل نفسه في عرض دنيا كبائع الياقوت بالحصى) ولنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلف الأمة القدوة الحسنة، فقد بذلوا كل غال ونفيس في سبيل الدعوة إلى الله.

٣ - علو الهمة في الجهاد في سبيل الله:

من مظاهر علو الهمة الاندفاع إلى الجهاد في سبيل الله بثبات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل والموت مظانه ... )) (٣) والمواقف من الصحابة والسلف كثيرة في اندفاعهم إلى الجهاد في سبيل الله والبذل والعطاء الذي قدموه لهذا الدين.

٤ - علو الهمة في العبادة:

من مظاهر علو الهمة الجد والاجتهاد في عبادة الله سبحانه وتعالى والاستقامة على دينه و (لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم على السفاسف، فلا تراهم إلا صوَّامين قوامين، باكين والهين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشير بعلو همتهم في التوبة والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات، وهاك طرفاً من عباراتهم ... قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره

وقال وهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل) (٤).

ويقول ابن حزم في علو همة من امتحن بمكروه وعاقه عن هذا الطريق: (ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر إذ رجاؤه في عاقبه ما ينال به عون له على ما يطلب وزايد في الغرض الذي إياه يقصد ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم إذ ليس مؤاخذا بذلك فهو غير مؤثر في ما يطلب ورأيته إن قصد بالأذى سر وإن نكبته نكبة سر وإن تعب فيما سلك فيه سر فهو في سرور متصل أبدا) (٥).


(١) ((أدب الطلب ومنتهى الأدب)) للشوكاني (ص: ١٢٨).
(٢) رواه البخاري (٣٤٦١)
(٣) رواه مسلم (١٨٨٩).
(٤) ((علو الهمة)) لمحمد إسماعيل المقدم (ص: ٢٠٩).
(٥) ((الأخلاق والسير)) لابن حزم (ص: ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>