للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٣ - القدوة الحسنة:]

تعني القدوة هنا أن يكون المربي أو الداعي مثالا يحتذى به في أفعاله وتصرفاته، وقد أشاد القرآن الكريم بهذه الوسيلة فقال عز من قائل: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ [الممتحنة: ٤]، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم – ولا يزال- قدوة للمسلمين جميعاً، والقدوة الحسنة التي يحققها الداعي بسيرته الطيبة هي في الحقيقة دعوة عملية للإسلام بكل ما يحمله من مبادئ وقيم تدعو إلى الخير وتحث على الفضيلة.

ولأثر القدوة في عملية التربية، وخاصة في مجال الاتجاهات والقيم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوة المسلمين طبقا لما نص عليه القرآن الكريم، وقد استطاع بفضل تلك القدوة أن يحمل معاصريه قيم الإسلام وتعاليمه وأحكامه، لا بالأقوال فقط، وإنما بالسلوك الواقعي الحي، وقد حرصوا على تتبع صفاته وحركاته ورصدها والعمل بها، وما ذلك إلا حرصا منهم على تمثل أفعاله صلى الله عليه وسلم، لقد كان المثل الأعلى لهم.

وقد تمثلت في الرسول صلى الله عليه وسلم صفات جليلة جعلت منه قدوة بالفعل

والقدوة الحسنة هي المثال الواقعي للسلوك الخلقي الأمثل، وهذا المثال الواقعي قد يكون مثالاً حسياً مشاهداً ملموساً يقتدي به، وقد يكون مثالاً حاضراً في الذهن بأخباره وسيره وصورة مرتسمة في النفس بما أثر عنه من سير وقصص وأنباء من أقوال أو أفعال.

والقدوة الحسنة تكون للأفراد على صفة أفراد مثاليين ممتازين، وتكون للجماعات على صفة جماعات مثالية ممتازة ...

ووجه القرآن الكريم بصراحة تامة إلى القدوة الحسنة، فقال الله تعالى في سورة (الأحزاب):

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: ٢١].

ففي هذا النص إرشاد عظيم من الله تبارك وتعالى للمؤمنين أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لهم، يقتدون به، في أعماله، وأقواله، وأخلاقه، وكل جزئيات سلوكه في الحياة فهو خير قدوة يقتدي بها الأفراد العاديون، والأفراد الطامحون لبلوغ الكمال الإنساني في السلوك.

وجعل الله الذين آمنوا معه وصدقوا وأخلصوا واستقاموا أمثلة رائعة يقتدى بها في معظم الفضائل الفردية والاجتماعية.

ولئن انتقل الرسول صلوات الله عليه إلى جوار ربه، فإن سيرته التي تحتوي على جزئيات سلوكه ماثلة لنا.

وفيما بلغنا من تراجم أصحابه رضوان الله عليهم ما يكفي لتجسيد القدوة الحسنة للمجتمع المسلم.

ثم إن كل عصر من العصور من بعدهم لا يخلو من وجود طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم تصلح لأن تكون قدوة حسنة، قلت هذه الطائفة أو كثرت، فقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال)) (١).

وروى الإمام مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة)) (٢).

وروى البخاري ومسلم عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) (٣).

فلا يخلو عصر من عصور الأمة المحمدية من طائفة صالحة، تصلح لأن تكون في عصرها قدوة حسنة للأفراد.


(١) رواه أبو داود (٢٤٨٤)، وأحمد (٤/ ٤٣٧) (١٩٩٣٤)، والحاكم (٢/ ٨١). وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٧٢٩٤).
(٢) رواه مسلم (١٥٦).
(٣) رواه البخاري (٣٦٤١)، ومسلم (١٠٣٧) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>